للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأقرّ عليه. ولا شكّ أنّه من أهل الاجتهاد. حكى لي علم الدين أحمد الأسفوني قال: ذكره شيخنا علاء الدين علي بن إسماعيل القونويّ، فقلت له:

لكنّه ادّعى الاجتهاد؟

فسكت مفكّرا ثم قال: والله ما هو بعيد.

وقال فتح الدين محمد ابن سيّد الناس: لم أر مثله فيما رأيت، وما حملت عن أجلّ منه في ما رويت. وكان للعلوم جامعا، وفي فنونها بارعا، مقدّما في معرفة علل الحديث على أقرانه، منفردا بهذا الفنّ النفيس في زمانه، بصيرا بذلك، شديد النظر في تلك المسالك، بأذكى ألمعيّة، وأزكى لوذعيّة، لا يشقّ له غبار، ولا يجري معه سواه في مضمار. وكان حسن الاستنباط للأحكام والمعاني من السنّة والكتاب، بلبّ يسحر الألباب، وفكر يفتح له ما ينغلق على غيره من الأبواب، مستعينا على ذلك بما رواه من العلوم، مستبينا ما هنالك بما حواه من مدارك الفهوم، مبرّزا في العلوم النقليّة والعقليّة، والمسالك الأثريّة، والمدارك النظريّة. ولم يزل حافظا للسانه، مقبلا على شأنه، وقف نفسه على العلم وقصرها، ولو شاء [١٦٦ أ] العادّ أن يعدّ كلماته لحصرها. ومع ذلك فله بالتجريد تخلّق، وبكرامات الصالحين تحقّق. وله مع ذلك في الأدب باع وساع، وكرم طباع، لم يخل في بعضها من حسن انطباع، حتى لقد كان محمود الكاتب، المحمود في تلك المذاهب، المشهود له بالتقدّم فيما شاء من الإنشاء على أهل المشارق والمغارب يقول عنه: لم تر عيني آدب منه.

[[كرمه]]

قال الأدفويّ: وكان كريما جوادا سخيّا. حكى محمّد الجواشنيّ القوصيّ قال: أصبحت مفلسا، فكتبت ورقة وأرسلتها إليه- يعني ابن دقيق العيد- فيها: المملوك محمّد القوصيّ أصبح مضرورا.

- فكتب لي بشيء. ثمّ في ثاني يوم كتبت:

المملوك ابن الجواشنيّ- فكتب لي بشيء- ثمّ في ثالث يوم كتبت: المملوك محمّد- فطلبني وقال:

من هو ابن الجواشنيّ؟

قلت: المملوك.

قال: ومن هو القوصيّ؟

قلت: المملوك.

قال: ومن هو محمّد؟

قلت: المملوك.

قال: تدلّس تدليس المحدّثين؟ (١)

قلت: الضرورة!

فتبسّم وكتب لي بشيء.

وحكي عن ابن عدلان وابن القمّاح أنّهما سمعاه يقول: ضابط ما يطلب منّي أن يجوز شرعا ثمّ لا أبخل.

[[كراماته: الرؤى والدعاء المستجاب]]

(قال): وكان له نصيب ممّا ينسب إلى الصالحين من الكرامات، قال في يوم [ال] جمعة خامس عشر رجب سنة ثمانين وستّمائة عن واقعة التتار بوطأة حمص مع الملك المنصور قلاوون:

انفصل الحال من أمس العصر!

فقيل له: نخبر عنك؟

فقال: نعم.

فقال له كمال الدين محمد بن عليّ ابن الهمدانيّ: هذا بيقين؟

فقال: أو يقال هذا عن غير يقين؟

فقال له: عن معاينة أو خبر؟


(١) المدلّس هو «من لا يذكر اسم شيخه بل يروي عمّن فوقه بلفظ يوهم السماع منه». مخلوف، شجرة النور، ٥١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>