للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

العناء في هذا الوقت على ما هو عليه، فرمى نفسه بين يديها وقصّ عليها القصّة كلّها، وقال: إنّما الغرض إبعادي عن خدمتك وحرماني السعادة التي ألحقتني بها ليقع التّمكّن منّي.

قالت: وما الذي تكره من ذلك؟

فقال: يا مولاتنا، هور الحكم واسع. وأحوال قاضي القضاة قاسم بن النعمان فيه مشهورة. ولو كانت جارية على النظام المستقيم لشغلت عن خدمتك، فكيف والحاجة داعية إلى تجديد إصلاحه وإحكام نظامه، وفي هذا شغل كبير؟

فقالت: لا يضيق صدرك بهذا الأمر، فبابي لك، وخدمتي موفورة عليك ولا أستبدل بك أبدا.

فقال: يا مولاتنا، قد قدّمت القول إنّ هور الحكم كبير واسع، واشتغالي به يحول بيني وبين ملازمة بابك.

فقالت: خلفاؤك في الحكم، القضاعيّ وابن أبي زكريّا هما ينفّذان من الأحكام ما يجوز تنفيذه.

فإذا تحرّرت الأحكام نزلت ففصلت ذلك. وقرّر لنزولك يومين في الجمعة لفصل الأحكام، فإذا نزلت كان ولداك ينوبان عنك في تنفيذ أمور خدمتي. وهذا التقرير لا يغلبك فعله.

فقبّل الأرض لها ودعا وشكر وانصرف.

[قبوله خطّة القضاء بنصيحة من مولاته]

فلمّا كان في غد ذلك اليوم وهو الثاني من المحرّم سنة إحدى وأربعين وأربعمائة، استدعي إلى حضرة أمير المؤمنين وخلع عليه وقرئ سجلّه في الإيوان، وخرج والدولة بأسرها بين يديه. فأقام في تنفيذ الأحكام عدّة أيّام وولداه (١) ينوبان عنه

في باب الريح، وجعل الوزير يبعث للسيّدة من يطارحها في ذكر بابها ويعرّض لها بذكر ولد الوزير، فقالت: وما هو الأمر الذي يعجز ولدا القاضي أبي محمد عنه، وقد لقنا فعل أبيهما وفهما منه ما يحتاجان إليه، ومع ذلك إلى أن يجيء أبوهما، وما كنت بالذي يستبدل به بوجه ولا سبب.

فلمّا سمع ذلك الوزير أبو البركات، أسقط في يده وقال: أردنا وضعه، والله تعالى يريد رفعه.

فقال له أبو الفضل صاعد: أمّا إذا جرى الأمر بخلاف ما ظننّاه وأملناه، فليس إلّا مجاملة الرجل ومواثقته على السلامة، فتواثقا وتعاهدا، وصار لا يسلّم على الوزير ولا يجتمعان إلا يوما في الشهر، يحضر إليه في داره، فإذا صار إليه احتجب الوزير عن كلّ أحد، وخلا به، وبالغ في إكرامه، وهو في الباطن يدبّر عليه. فكفاه الله أمره، وقبض عليه وشغرت [٣٦١ أ] رتبة الوزارة عدّة أيّام، والسيّدة تعرضها على اليازوريّ وهو يمتنع، فأقيم أبو الفضل صاعد وخلع عليه وعمل واسطة لا وزيرا، فصار إذا أحبّ أن يعرض على الخليفة أمرا ممّا يتعلّق به يتقدّم اليازوريّ إلى الحضرة، ثمّ يستدعي بأبي الفضل، فإذا عرض ما أحبّ لا يجيبه إلّا اليازوريّ، فصار في نفسه منه مثل ما كان في نفس غيره من الوزراء، وأقبل ينصب عليه ويحمل الرجال على مكروهه ويوهمهم أنّه إذا سأل لهم زيادة أو ولاية، يعترضه اليازوريّ بما يبطل رأيه ويفسده. فاستدعى ناصر الدولة حسين بن حمدان (٢) بعض خواصّ اليازوريّ وقال له: اعلم


(١) في الاتّعاظ ٢/ ٢٠٨: استناب ابنه الأكبر أبا الحسن محمد ولقّب بالقاضي الأجلّ خطير الملك، واختصّ الولد الثاني بخدمة السيّدة.
(٢) سمّاه أيمن فؤاد السيّد في طبعته للإشارة ص ٧٥:
الحسن بن الحسين بن حمدان، وأحال فيما أحال إليه إلى الورقة ٣٨٣ من مخطوطنا هذا، وفيها ترجمة الحسين بن حمدان، وهي الآتية برقم ١٢٣٢. والحسين قتل سنة-

<<  <  ج: ص:  >  >>