فغضب سالم وخرج فقال عبد الله بن عمرو:
ويلك يا أشعب، ما غضب [١٩١ أ] خالي إلّا من شيء؟
فقال: نعم، جعلت فداك: غضب من أنّي أكلت عنده جفنة من هريسة.
فضحك عبد الله وجلساؤه، وأعطاه ووهب له.
فخرج، وإذا سالم بالباب فقال: ويحك يا أشعب، ألم تأكل عندي؟
قال: بلى، جعلت فداك!
فقال سالم: والله لقد شكّكتني.
[[خبثه واحتياله]]
وقال أشعب: كان عبد الله بن عمرو بن عثمان يستخفّني، ويدعوني فأحدّثه وألهيه، فمرض، ولهوت في بعض خرجاتي أيّاما، ثمّ جئت فقالت لي زوجتي بنت وردان: ويحك! أين كنت؟ عبد الله بن عمرو يطلبك وقد مرض، وهو يقلق بالنهار ويسهر بالليل. أرسل إليك [ل] تهليه وتعلّله فلم يجدك.
(قال) قلت: إنّا لله!
ثمّ فكّرت ساعة، ثمّ قلت لها: هات لي قارورة دهن خلوقيّة ومنديل الحمّام.
ففعلت. فخرجت أريد الحمّام. فمررت بسالم بن عبد الله بن عمر فقال لي: يا أشعب، هل لك في هريسة أهديت لي؟
فقلت: نعم، جعلني الله فداك.
(قال) فدعا بها، فأتى بصحفة كبيرة فأكلت حتى شبعت، فجعلت أتكاره عليها. فقال لي:
ويحك، لا تقتل نفسك، فإنّ ما فضل منها نبعث به إلى بيتك.
قلت: وتفعل؟
قال: ما أردت إلّا ذاك.
فكففت، فبعث بها إلى بيتي. وخرجت فدخلت إلى الحمّام واطّليت ثمّ صببت عليّ دهن الخلوقيّة ثمّ سكبت عليّ ماء. وخرجت وعليّ صفرة الدهن لم أستبق منه: فقد صار لوني أصفر كأنّه الزعفران. ولبست أطمارا لي وعصبت رأسي وأخذت معي عصا، ثمّ خرجت أمشي عليها حتّى جئت باب عبد الله بن عمرو بن عثمان. فلمّا رآني حاجبه قال: ويحك يا أشعب ظلمناك وغضبنا عليك، وأنت قد بلغت من العلّة ما أرى. ما أصابك؟
(قال) قلت: أدخلني على سيّدي أخبره.
فأدخلني عليه فإذا عنده سالم بن عبد الله [بن عمر] فقال لي عبد الله بن عمرو: ويحك يا أشعب ظلمناك وغضبنا عليك، وقد بلغت ما أرى من العلّة.
(قال) فتضاعفت وقلت له: أي سيّدي، كنت عند بعض من أغشاه فأصابني قيء وتعفّن، فما حملت إلى منزلي إلّا جنازة، فبلغتني علّتك فخرجت أدبّ إليك.
(قال) فنظر إليّ سالم، ثمّ قال لي: [٢٠٤ أ] يا أشعب، ألم تكن عندي آنفا؟
قلت: ومن أين أكون عندك، جعلني الله فداك، وأنا أموت!
فجعل يمسح عينيه ثمّ يقول: ألم تأكل الهريس آنفا عندي؟
فأقول: وهل بي أكل جعلني لله فداك، مع العلّة!
فقال: لا حول ولا قوّة إلّا بالله، إنّي لأرى شيطانا يتمثّل في صورتك، وما أرى مجالستك تحلّ [١٩١ ب]- ووثب.