للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

صلاة أحدكم وحده بخمس وعشرين درجة (١).

قال ابن يونس: وكانت له عبادة وفضل، ثقة في الحديث، لا يختلف فيه حاذق في الفقه، يلزم الرباط. وكان أحد الزهّاد في الدنيا، ومن خيار خلق الله تعالى. حدّثني إبراهيم بن محمّد بن الضحّاك قال: سمعت المزنيّ يقول: عانيت غسل الموتى ليرقّ قلبي، فصار ذلك لي عادة.

وقال أبو الفوارس السنديّ: كان المزنيّ والربيع رضيعين.

وقال أبو إسحاق الشيرازيّ: كان زاهدا عالما مجتهدا مناظرا محجاجا غوّاصا على المعاني الدقيقة، وهو إمام الشافعيّين (٢)، وأعرفهم بطرقه وفتاويه، وما ينقله عنه.

[مصنّفاته]:

صنّف كتبا كثيرة، منها: الجامع الكبير، والجامع الصغير، والمختصر، والمنثور، والمسائل المعتبرة، والترغيب في العلم، وكتاب الوثائق، وكتاب نهاية الاختصار.

وقال الشافعيّ: المزنيّ ناصر مذهبي.

وكان إذا فرغ من مسألة وأودعها مختصره قام إلى المحراب وصلّى ركعتين شكرا لله تعالى.

وقال أبو العبّاس بن سريج: يخرج مختصر المزنيّ من الدنيا عذراء لم تفتضّ، وهو أصل الكتب المصنّفة في مذهب الشافعيّ، وعلى مثاله رتّبوا ولكلامه فسّروا وشرحوا. وبلغ من احتياطه وورعه أنّه كان يشرب في جميع فصول السنة في كوز نحاس.

فقيل له في ذلك، فقال: بلغني أنّهم يستعملون السّرجين (٣) من الكيزان والنار لا تطهّرها.

وقال الربيع: دخلنا على الشافعيّ عند موته، أنا والبويطيّ والمزنيّ ومحمّد بن عبد الله بن عبد الحكم. فنظر إلينا ساعة فأطال، ثمّ التفت إلينا فقال: أمّا أنت يا أبا يعقوب فستموت في حديدك.

وأمّا أنت يا مزنيّ فستكون لك بمصر هيئات وهنات، ولتدركنّ زمانا تكون [فيه] أقيس أهل ذلك الزمان. وأمّا أنت يا محمّد فسترجع إلى مذهب أبيك. وما أنت يا ربيع فأنت أنفعهم لي في نشر الكتب. قم يا أبا يعقوب فتسلّم الحلقة!

قال الربيع: فكان كما قال.

[[مناقبه]]

وقال عمرو بن عثمان المكّي: ما رأيت أحدا من المتعبّدين في كثرة من لقيت منهم أشدّ اجتهادا من المزنيّ، ولا أدوم على [١٨٣ أ] العبادة منه، ولا رأيت أحدا أشدّ تعظيما للعمل وأهله منه. وكان من أشدّ الناس تضييقا على نفسه في الورع وأوسعه [م] في ذلك على الناس [١٧٠ ب]. وكان يقول: أنا خلق من أخلاق الشافعيّ.

وقال أبو عاصم العبّاديّ: لم يتوضّأ المزنيّ من حباب ابن طولون، ولم يشرب من كيزانه، لأنّه جعل فيه سرجين، والنّار لا تطهّره.

وتوفّي [المزنيّ] يوم الأربعاء لأربع وعشرين ليلة خلت من ربيع الأوّل سنة أربع وستّين ومائتين بمصر. ودفن بالقرافة، وقبره يزار ويتبرّك بالدعاء عنده.

وروي عن المزنيّ أنّه قال: كنت يوما عند الشافعيّ أسأله عن مسائل بلسان أهل الكلام، فجعل يسمع منّي وينظر إليّ، ثمّ يجيبني عنها بأحضر جواب (٤). فلمّا اكتفيت قال: يا بنيّ، أدلّك على ما هو خير لك من هذا؟


(١) رواه السيوطي في الجامع الصغير ٢/ ٤٧.
(٢) الشافعيّين: قراءة ظنّيّة.
(٣) السرجين: الأزبال والفضلات.
(٤) حاشية: أحضر بضاد معجمة من حضر يحضر.

<<  <  ج: ص:  >  >>