للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

إلى الوطاق ونزلوا بالدهليز (١) السلطانيّ وعقدوا السلطنة لبيدرا وأجلسوه في مرتبة السلطان وقبّلوا الأرض وحلفوا على الوفاء له ولقّبوه بالملك الأوحد- وقيل: بالملك المعظّم، وقيل: الملك القاهر- وذلك في يوم السبت عاشر المحرّم سنة ثلاث وتسعين وستّمائة.

فأوّل ما بدأ به أن قبض على بيسري، وبكتمر السلاح دار أمير جندار وأمر بقتلهما. فقام الأمراء وشفعوا فيهما. وركب من فوره تحت السناجق، والأمراء بين يديه، وسار يريد القاهرة. وكان الأمير كتبغا قد توجّه للصيد في طائفة من الأمراء.

فلمّا بلغه قتل السلطان أقبل مسرعا إلى الوطاق، فلقي الأمير برغلي، وبيبرس الجاشنكير، والحسام لاجين الأستادار، وبكتوت العلائيّ، وجماعة المماليك السلطانيّة. فساروا جميعا في [٣٢٢ أ] إثر بيدرا يريدون قتاله. فلحق بيدرا الزّردخاناه وهي سائرة عند المساء، فسأله من فيها عن السلطان فقال: أنا قتلته.

فقال له الأمير بيبرس أمير جاندار: يا خوند، هذا الذي فعلته كان بمشورة الأمراء؟

قال: نعم، أنا قتلته بمشورتهم وحضورهم، وها هم كلّهم حاضرون، وأشار إلى الأمير لاجين نائب الشام، وقراسنقر نائب حلب، وبيسري وغيره. ثمّ شرع يعدّد مساويء الملك الأشرف ومخازيه، واستهزاءه بالأمراء ومماليك أبيه، وإهماله لأمور المسلمين وتوليته الوزارة لابن السلعوس، ونفور الأمراء منه لمسكه الأمير عزّ الدين أيبك الأفرم، وقتل الأمير سنقر الأشقر وجرمك وطقصو وغيره (٢)، وتأميره مماليكه،

وقلّة دينه، وشربه الخمر في شهر رمضان، وفسقه بالمردان.

[[انتقام كتبغا من قاتلي الأشرف]]

وسأل عن الأمير كتبغا فلم يره، فما هو إلّا أن طلع النهار يوم الأحد إذ أقبل الأمير كتبغا في طلب كبير نحو الألفي فارس من المماليك السلطانيّة والأمراء. فالتقى بالأمير بيدرا في الطرّانة (٣)، وقد رتّب كتبغا جماعة ترمي بالنشّاب على بيدرا.

وحمل بنفسه وبمن معه عليه حملة منكرة وقال: يا بيدرا، أين السلطان؟ - ورماه بسهم، وتبعه الرماة، فلم يثبت بيدرا وانهزم وتفرّق عنه أصحابه، والطّلب في إثره، إلى أن أخذ فقطعت يده ثمّ كتفه قصاصا منه بما فعله بالأشرف. ثمّ قطعت رأسه ورفعت على رمح وسيّرت إلى القاهرة، فطيف بها.

ووجد في جيبه رقعة فيها فتيا نصّها: ما يقول فقهاء الإسلام في رجل يشرب الخمر في شهر رمضان ويفسق بالمردان ولا يصلّي؟ فهل على قاتله ذنب أم لا؟ - فكتب في الجواب: يقتل ولا إثم على قاتله.

[تخوّفه من السلطان]:

ومن غريب ما وقع أنّه لمّا ولّاه الأشرف نيابة السلطنة دخل عليه المجد عيسى ابن الخشّاب وهو في خلوة، فقبّل يده وهنّأه، فقال له: يا مجد الدين، تهنّئني بأمر أنا أخشى عقباه وأنشد [الطويل]:

ومن يحمد الدنيا لشيء يسرّه ... فسوف لعمري عن قليل يلومها


(١) الوطاق والدهليز: الخيمة.
(٢) هؤلاء خنقهم الأشرف خليل سنة ٦٩١: تشريف الأيام والعصور لابن عبد الظاهر ٢٨١.
(٣) هي طرنوت القديمة (مركز كوم حمادة اليوم)؛ النجوم ٨/ ١٦ هامش ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>