للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكثرة ما عنده من الحديث يحمل المحبرة والبياض، ويحضر سماع الحديث [٥٦ ب] ويطلب أهله، وكان شديد الحرص على كتابته والحبّ له.

وقال الحاكم في حقّه: لسان أهل الحقائق في عصره وصاحب الأحوال الصحيحة. وكان مع تقدّمه في التصوّف من الجمّاعة للروايات ومن الرحّالة في طلب الحديث. وكان يورّق قائما، فلمّا وصل إلى علم الحقائق تركه. وغاب عن نيسابور نيفا وعشرين سنة، ثمّ انصرف إلى وطنه سنة أربعين. كان يعظ ويذكّر، على ستر وصيانة.

ثمّ خرج إلى مكّة سنة خمس وستّين، وجاور بها ولزم العبادة فوق ما كان من عادته، وكان يعظ ويذكّر بها.

ثم توفّي بها في ذي الحجّة سنة سبع وستّين وثلاثمائة.

وقال الخطيب: وكان ثقة.

وقال أبو القاسم القشيريّ: وكان شيخ وقته.

ومرّة قال: وكان عالما بالحديث كثير الرواية.

[[بعض أقواله]]

ومن كلامه: إذا أعطاكم حباكم وإذا لم يعطكم حماكم، فشتّان بين الحبى والحمى، فإذا حباك شغلك، وإذا حماك حملك. وقال في قوله تعالى:

إِنَّ اللَّهَ اشْتَرى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ [التوبة: ١١١]: بعلمي اشتريتهم، وبحكمي بعتهم، فلا ينقض علمي حكمي ولا ينقض حكمي علمي.

وقال: ليس للأولياء سؤال، إنّما هو الذبول والخمول (١).

وقال: نهايات الأولياء بدايات الأنبياء.

وسئل عن القوت [فقال: للقلب قوت]، وللسرّ قوت، وللروح قوت. فقوت القلوب الطمأنينة، وقوت السرّ الفكرة، وقوت الروح السماع لأنّه صادر عن الحقّ وراجع إليه. والقوت في الحقيقة هو الله لأنّ منه الكفايات.

وأنشد [الطويل]:

إذا كنت قوت النفس ثمّ هجرتها ... فكم تلبث النفس التي أنت قوتها

ستبقى بقاء الضبّ في الماء أو كما ... يعيش ببيداء المهامه حوتها

وقيل له: إنّ بعض الناس يجالسون النسوان، ويقول: أنا معصوم في رؤيتهنّ.

فقال: ما دامت الأشباح باقية، فإنّ الأمر والنهي باق، والتحليل والتحريم يخاطب بهما (٢).

ولن يجترئ على الشبهات إلّا من هو متعرّض للمحرّمات.

وقال: ضعفت بالبادية مرّة فأيست من نفسي.

فوقع بصري على القمر وكان ذلك بالنهار، فرأيت مكتوبا عليه: فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ [البقرة: ١٣٧] فاستقللت ففتح عليّ من ذلك الوقت هذا الحديث (٣).

وقيل له: ليس لك من المحبّة شيء.

فقال: صدقوا، ولكن لي حسراتهم، فهو ذا أحترق فيه. ثمّ قال: المحبّة مجانبة السلوّ على كلّ حال.

ثم أنشد [الطويل]:


(١) في المخطوط: والخمود. والإصلاح من الرسالة القشيريّة ٥٢٣ وطبقات الشعرانيّ ١/ ١٢٣.
(٢) في المخطوط: به. والإصلاح من طبقات السلميّ ٤٨٧.
وعبارة الشعرانيّ ص ١٢٣ أوفى بالقصد .. فالأمر والنهي مخاطب بهما العبد، لا سيّما العزّاب.
(٣) الخبر في الرسالة القشيرية ٥٧٠، وفي تهذيب ابن عساكر ٢/ ٢٥١.

<<  <  ج: ص:  >  >>