حتى تنقضي الصلاة، ثمّ يقيم الصلاة ويصلّي بجماعة. فأتاه وسأله عمّا بلغه، فقال: إنّك تصلّي بالأجرة، وأكره أن أصلّي خلف من يصلّي بالأجرة.
فقال أبو الطاهر: والله لا تناولت أجرة بعدها! - وكان المقرّر عن الخطابة والإمامة في الصلوات الخمس ثلاثين دينارا في كلّ شهر. فقرّر من ذلك للشيخ مجد الدين أبي الحسن الإخميميّ عشرة دنانير لينوب عنه في الخطابة، ووفّر عشرين دينارا، فصلّى المغربيّ حينئذ خلفه.
وقد جمع الشيخ كمال الدين أبو العبّاس أحمد بن عيسى بن رضوان القليوبيّ مجلّدة لطيفة سمّاها «العلم الظاهر في مآثر الفقيه أبي الطاهر».
توفّي ليلة الأحد سابع ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثين وستّمائة، ودفن بسفح المقطّم من القرافة. وقبره مشهور يتبرّك الناس بزيارته.
وولي الخطابة بعده المجد الإخميميّ نائبه.
٢١٣٣ - أبو الحسين الماذرائيّ الكاتب [٢٦٤ - ٣٣٧] (١)
محمد بن الحسين بن عبد الوهاب بن عمرو، أبو الحسين، الماذرائيّ، الكاتب، البغداديّ.
ولد بالعراق في سنة أربع وستّين ومائتين.
وقدم إلى مصر فخدم الحسين بن أحمد أبا زنبور الماذرائيّ على مطبخه. ثمّ استخدمه في نفقاته ورقّاه حتى استكتبه، ثمّ استخلفه، وسافر به معه إلى العراق. فلمّا ألزم أبو زنبور بحساب مصر، لم يكن معه. فعمل له ابن عبد الوهاب هذا حساب مصر من حفظه وقدّمه إلى الوزير أبي الحسن عليّ ابن الفرات. فقال لأبي زنبور: أليس ذكرت أنّ
الحساب لم تحمله معك؟
فقال: قد عمله كاتبي محمد بن عبد الوهاب حفظا.
فقال له: كيف عزب عنك الرأي؟ تدخل مثل هذا إلى الحضرة؟ والله لا عاد هذا إلّا عليك! - فكان كما قال.
ولمّا انصرف أبو زنبور من بغداد عمل الكتّاب مؤامرة وبعثوا خلفه الرسول بالمؤامرة إلى تكريت. فاضطرب وهمّ بالرجوع. فقال له محمد بن عبد الوهاب: سر! - ونزل ابن عبد الوهاب بتكريت وأجاب عن كلّ فصل في المؤامرة. ودفع إلى الرسول مالا، وكتب إلى صاحب أبي زنبور في بغداد أن يبرّ كتّاب بغداد بمال حتى يسكتوا عمّا في المؤامرة. ولحق بأبي زنبور وعرّفه ما كان منه، فتمكّن وقوي أمره، فإنّه كان نهاية في الكفاية والكتابة، إلى أن صرف أبو زنبور عن خراج مصر في سنة إحدى عشرة وثلاثمائة [٢٢٢ ب] وأبو زنبور يومئذ بدمشق. فأتت ولاية ابن عبد الوهاب إليه بالنظر في أموال مصر كلّها وجميع رجالها وسائر عساكرها، فنظر في ذلك بأجمعه وصدر عنه في أوّل يوم جلس للنظر ألف توقيع بخطّ يده.
وعظم في ذات نفسه، وخطب خديجة ابنة أبي زنبور وبذل صداقها سبعة آلاف دينار حملها إليه.
فأبى ذلك أبو زنبور وامتنع من تزويجها إيّاه.
فجعل ابن عبد الوهاب السبعة آلاف هديّة، وحمل سبعة آلاف دينار أخرى صداقا. فلم يجد أبو زنبور بدّا من إجابته وزوّجه بها. فحظيت عنده، حتى إنّ الأمير محمد بن طغج الإخشيد قبض عليه، فأخذته خديجة من يد الإخشيد ودفعت عنه مائة ألف دينار من مالها.
(١) الكنديّ ٢٧٩.