للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

اليوم الثالث من رمضان، وقد اجتمع القضاة بدار العدل. فعرّفهم السلطان أنّه يريد إقامته خليفة عوضا [٥٨ أ] عن عمّه المستكفي بالله أبي الربيع سليمان بن أحمد الحاكم، وقد مات منفيا بقوص- فأبوا من مبايعته وقدحوا في أهليّته، وأنّ المستكفي قد عهد إلى ابنه أحمد قبل موته بشهادة أربعين عدلا، وثبت ذلك على قاضي قوص. فرسم بحضور أحمد ابن المستكفي وأعيان قوص، وأقام الخطباء نحو أربعة أشهر لا يذكرون في خطبهم الخليفة.

وقدم أحمد فلم يمض السلطان عهد أبيه له، واستدعى إبراهيم، وعرّفه ما يقدح به من سوء السيرة، فتاب وأناب. وطلب القضاة وعرّفهم أنّه يريد إقامة إبراهيم خليفة، فأعاد قاضي القضاة عزّ الدين ابن جماعة القدح فيه. فما زال به حتّى أظهر أنّه بايعه. وخطب له في يوم الجمعة ثالث ذي الحجّة. فسخر الناس منه ولقّبوه المستعطي بالله، لأنّه كان يستعطي من الناس ما يتقوّت به لفقره.

وكانت القالة فيه سيّئة. فلمّا مات الناصر، وأقيم بعده ابنه المنصور أبو بكر، احتاج إلى أن يعهد إليه الخليفة كما جرت به عادة ملوك الترك بمصر.

وذكر الناس مساويء إبراهيم، وأنّه لا يصحّ منه العهد، فإنّه أخذ الخلافة بغير حقّ، والخليفة إنّما هو أحمد ابن أبي الربيع.

فجمع الأمير طاجار الدوادار (١) القضاة، وأحضر إبراهيم وأحمد إليهم بجامع القلعة في يوم السبت آخر ذي الحجّة سنة إحدى وأربعين. فقال ابن جماعة لإبراهيم: السلطان وهبك هبة، وولده الملك المنصور استردّ ما وهبه لك والده من الخلافة.

فقال: كيف يحلّ خلعي وإقامة صبيّ؟

فقال القضاة له: ما ثبتت عندنا صحّة خلافتك،

وليس لك حقّ حتّى نأخذه منك. فإنّ الخلافة لأبي الربيع، وقد عهد بها إلى ابنه أحمد. وأنت، فاطلب من السلطان معلوما.

فأقيم أحمد في الخلافة، ورتّب لإبراهيم ما كان قد جعله الناصر له، وعوّض أحمد راتب نظيره.

ولزم داره. ثمّ إنّه أصابه فالج واستمرّ به حتّى مات في طاعون سنة تسع وأربعين وسبعمائة، وله من العمر نحو مائة سنة.

وكان يرمى بالتهتّك والعكوف على القاذورات، ومعاشرة سفلة الناس وأراذلهم، وأنّه يهوى اللعب بالحمام، ونطاح الكباش ومنافرة الديوك، وأنّه ينافس في المعز الزرائبيّة الطوال الآذان، وأشياء من هذا وأمثاله، ممّا يسقط المروءة، إلى أن صار لا يعدّ إلّا في سفلة الناس، إلى سوء المعاملة، وشراء سلع لا يوفّى أثمانها، واستئجار دار لا يقوم بأجرها، وتحيّله على درهم يملأ به كفّه، وسحت يطعم منه ويطعم منه حرمه، حتى كان عرضه عرضة للهوان، وأكلة لأهل الأوان.

وسبب اعتناء الملك الناصر به وإقامته في الخلافة أنّه [كان] ينمّ إليه بعمّه المستكفي أبي الربيع، وأحضر إليه بعهد جدّه الحاكم له، وتمسّك السلطان في مبايعته بذلك، فلمّا حضرت السلطان الوفاة، كان ممّا أوصى به ردّ الأمر إلى ابن المستكفي وإمضاء عهد أبيه له.

[٣٣٧ - ابن غزال [٤٥٠ - ٥٢٩]]

إبراهيم بن محمد بن إسماعيل بن صدقة، أبو إسحاق، المعروف بابن غزال، المصريّ، المقرئ، المالكيّ.

لقّب جدّه بغزال لشدّة عدوه. وهو أخو أبي


(١) طاجار الماردينيّ الناصريّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>