للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

حتى طارت عقول العربان فرقا منه، ولم يكن يوجد أعرابيّ ومعه شيء من السلاح إلّا قتل به، حتى كانت الأعراب في الأرياف بمصر أذلّ من القبط.

[[استتباب الأمن في أعماله بمصر والشام]]

وبلغه عن رفقة أقبلت [من] الشام فقطع عليها الطريق بناحية الحوف من أرض مصر. فجرّد قائدا من قوّاده إليهم وأمره بطلب قطّاع [ال] طريق حيث حلّوا وأين سلكوا وأقسم لئن قصّر عنهم لا أعطاه من رزقه شيئا أبدا. فخرج ومعه الأدلّاء وسائر ما يحتاج إليه لسلوك البرّيّة. وطلبهم حتى قيل له: إنّهم (١) من أعراب الكوفة جازوا عابري سبيل، فلقوا [هـ] ذه الرفقة فأخذوا منها ما أخذوا وعادوا إلى وطنهم، فمضى القائد في أثرهم إلى أن لحقهم بأوائل اعمال الكوفة، فردّهم في القيد أسرى وجميع ما أخذوه. فردّ المتاع إلى أصحابه وضرب أعناق الأعراب وصلبهم على باب مدينة مصر، وخلع على القائد ورفع قدره. فكانت أعماله كلّها سالمة من العيث وقطع الطريق لشدّة مهابته في قلوب أهل الفساد، مع عدله في الرعيّة ورأفته بهم وقبوله لمن قصده، حتّى إنّ بعض نصارى الفيّوم [أراد] أن يتقبّل ضيعة، فشجر بينه وبين بعض من يتقبّل الضياع من المسلمين في شرب، وتحاملا إلى أحمد بن علي الماذرائيّ، فلمّا صارا في ديوانه تلاحيا. فقال النصرانيّ لخصمه: أنت مسلم تصول عليّ بعزّ الإسلام وتقول أنا أحقّ وأولى. وما [٤٤٧ ب] أقدر أنا أقول كما تقول. ولكنّ أميرنا، أطال الله بقاءه، لا يحبّ أن يكون معامله إلّا مليّا (٢) بما يجب عليه من الخراج. فيرسل الأمير أيّده الله إلى منزلي

ومنزلك، ونتكايل الدنانير فأيّنا كان أكثر مالا، فالأمير في معاملته أرغب.

فرفع صاحب الخبر ذلك إلى خمارويه، فخرّ لله ساجدا وقال: الحمد لله الذي وفّق لنا من العدل ما بسط بهذا القول ألسن معاملينا!

وقصده البحتريّ، وهو بدمشق، واستأذن عليه مع الحسين بن أحمد الماذرائيّ، فقال له خمارويه: يا حسين، هذا قد عاشر الخلفاء ورأى نعمهم. وإن دخل إلينا استصغر نعمتنا. ولكن سله حاجته.

فذكر أنّ له ضياعا بنواحي حمص وغيرها ممّا أقطعه المتوكّل، وقد عمل قصيدة يسأل فيها الإيعاز (٣) عن الضياع، فوقّع له بذلك وأمر له بخمسمائة دينار.

[تأثّره بالمواعظ]

ووجد خمارويه مرّة في [٤٤٩ أ] جيبه رقعة لم يعرف من رفعها، ولا من قالها، فإذا فيها مكتوب: أمّا بعد، فإنّكم ملكتم فأسرتم، وقدرتم فأشرتم، ووسّع عليكم فضيّقتم، وعلمتم عاقبة الدعاء فما ارعويتم ولا أشفقتم. اشتغلتم بلذّاتكم عن مهمّاتكم حتى هجرتكم خاصّتكم وكرهتكم عامّتكم. أو ما علمتم أنّ الدنيا لو دامت على العاقل لما وصل إليها الجاهل، ولو دامت على من مضى لما وصل إليها من بقي؟ فاحذروا سهام السحر، فإنّها أنفذ من وخز الإبر، لا سيّما وقد جرّحتم قلوبا قد أوجعتموها، وأكبادا أجعتموها، وأحشاء أنكيتموها، ومقلا أبكيتموها. ومن المحال أن يهلك المنتظرون ويبقى المنتظرون.

فاعملوا إنّا عاملون، وجوروا فإنّا بالله مستجيرون، واظلموا فإنّا إلى الله متظلّمون وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا


(١) في المخطوط: إنّه.
(٢) قراءة ظنّيّة.
(٣) كلمة أخرى لم نتبيّن معناها.

<<  <  ج: ص:  >  >>