للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ونراعي أموره. فاعرف له هذه المنزلة، وأظهر من برّه وإكرامه وإعزازه في بلده، ولكلّ من في جملته ومن يلوذ به. واقض حوائجه وحوائج من يسأله، وراع أموره، وأجر له من مالنا دائبا يكون له ولفقيه ما بقينا [٤٤٧ أ] وبقي ومن بعده من ولده خمسمائة دينار في كلّ سنة. وأقطعه ضيعة يقع اختياره عليها يكون فضله منها في كلّ سنة خمسمائة دينار.

واكتب إلينا بشرح ما تأتيه في أمره وما تمتثله من أمرنا فيه، فإنّا نراعيه إلى أن يرد إلينا منك ما نقف عليه إن شاء الله.

وكتب يوم كذا من سنة كذا وكذا. ودفعه إليه وقال: اقرأه!

فقال: والله ما أحسن الخطّ.

فقرأه عليه الأمير بنفسه. فأقبل الشيخ يدعو ويبكي فرحا وسرورا. فأمر له الأمير ببغل حملت عليه البدرة، وغلام راكب معه، وحلّفه أن لا يأخذ منه شيئا، وقال لخادمه: في الصناديق شيء صحيح؟

قال: نعم.

قال: هاته! - فأخرج خمسة شقاق ديبقي، وخمسة شرب وخمسة أثواب ديباج، وخمس عمائم.

فدعا له الشيخ حتّى كاد أن يسقط على وجهه. ثمّ قال له: يا مولانا، أخذي لهذه الثياب يصبح بي استغتام [ا] (١)، والأمير أحوج منّي [إليها].

فقال له: إذا كانت لا تصلح لك، فهي تصلح لبناتك. وإذا أردت أن تزوّجهنّ فصر إلينا حتّى نعطيك ما تجهّزهنّ به إن شاء الله.

فقال الشيخ: أنا أسأل الله أن يحييك حتّى أزوّجهنّ ويلدن وآتيك بخبرهم.

فضحك الأمير وقال: تعالى الله! امض مصاحبا

في حفظ الله، واكتب إليّ بخبرك، وما يجري عليه أمرك، [فإنّي م] توقّع كتابك، واحذر أن تؤخّره، إلى أن أوافي الرملة قريبا إن شاء الله.

وأمر بعض غلمانه أن يسير معه إلى الرملة، وأمره أن يحضر معه حتّى يوصل التوقيع وينجز له كلّ ما أمر به.

فلمّا دخل الشيخ الرملة وأوصل التوقيع إلى العامل وعرّفه منزلته من الأمير، وأنّه أنفذه معه لينجز له جميع ما أمر به، قال له العامل: السمع والطاعة.

ووقع اختيار الشيخ على ضيعة، فأمر له بها.

ووصله العامل من ماله بمائتي دينار وثياب كثيرة وحصل له محلّ عظيم. وركب قاضي الرملة إليه مهنّئا له. وكان إذا حضر عند العامل أو عند القاضي أو عند صاحب المعونة، فلا يسأل حاجة إلّا قضيت، ولا يشفع في شيء إلّا شفع فيه.

قال الرجل الذي من أولاده المخبر بهذه الحكاية: وجميع ما تراه، من هذه النعمة: فهي بسبب السنانير التي أطلقها الأمير أبو الجيش رحمه الله.

وكان خمارويه ما يأكل مع أحد، فعوتب في ذلك، فقال: أكثر من يجوز أن نؤاكله قوّادنا، وقلّ من تجد منهم إلّا مفزور (٢) الأظافر بالوسخ يرى أنّ من أكبر شجاعته ترك نظافته.

وأجاز يوما لمغنّ غنّاه صوتا، بمائة ألف دينار، وأمر له بها. فاستفظع ذلك وزيره وقال له: يسمع الموفّق بهذا فتنحطّ منزلتك عنده- فصولح على مائة ألف درهم.

وكان قد أثخن في الأعراب وأفناهم قتلا وأسرا


(١) استغتام: فضول واستكثار.
(٢) هكذا في المخطوط، ولم نتبيّنها. والفرر: الشقّ، ولا توافق الوسخ.

<<  <  ج: ص:  >  >>