للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

علمه النبيّ صلّى الله عليه وسلم والخلفاء الراشدون ولم يدعوا الناس إليه، أفلا وسعك ما وسعهم؟ ثمّ دعا عمّارا الحاجب فأمر أن يرفع عنه القيود ويعطيه أربعمائة دينار ويأذن له في الرجوع، وسقط من عينه ابن أبي دؤاد ولم يمتحن بعد ذلك أحدا (١).

قال الحافظ أبو الفرج: وقد رويت لنا هذه القصّة على صفة أخرى، وساق بسنده إلى صالح بن عليّ الهاشميّ قال: حضرت المهتدي بالله أمير المؤمنين وقد جلس للنظر في أمور المتظلّمين في دار العامّة (٢) فنظرت إلى قصص الناس تقرأ عليه من أوّلها إلى آخرها فيأمر بالتوقيع فيها وينشئ الكتاب عليها ويحرّر (٣) ويختم وتدفع إلى صاحبها بين يديه، فسرّني ذلك واستحسنت ما رأيت. فجعلت انظر إليه ففطن ونظر إليّ فغضضت عنه حتّى كان ذلك منّي ومنه مرارا ثلاثا، إذا نظر غضضت وإذا شغل نظرت. فقال لي: يا صالح! قلت: لبّيك يا أمير المؤمنين! وقمت قائما. فقال: في نفسك شيء تحبّ أن تقوله؟ قلت: نعم. قال: عد إلى موضعك، فعدت حتى إذا قام قال للحاجب: لا يبرح صالح.

فانصرف الناس، ثمّ أذن لي فدخلت فدعوت له، فقال لي: اجلس! فجلست، فقال لي: يا صالح، تقول لي ما دار في نفسك أو أقول لك ما دار في نفسي؟ فقلت: ما تأمر به يا أمير المؤمنين، فقال:

أقول أنا: إنّه دار في نفسي أنّك استحسنت ما رأيت منّا فقلّت: أيّ خليفة خليفتنا إن لم يقل:

القرآن مخلوق! (قال صالح) فورد على قلبي أمر

عظيم، ثمّ قلت: يا نفس هل تموتين قبل أجلك، وهل تموتين إلّا مرّة؟ وهل يجوز الكذب في جدّ أو هزل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين، ما دار في نفسي إلّا ما قلت. فأطرق مليّا ثمّ قال: ويحك، اسمع منّي ما أقول: فو الله لتسمعنّ الحقّ! (قال) فسرّي عنّي وقلت: يا أمير المؤمنين، ومن أولى بقول الحقّ منك وأنت خليفة ربّ العالمين وابن عمّ سيّد المرسلين؟ فقال: ما زلت أقول: القرآن مخلوق صدرا من أيّام الواثق حتّى أقدم ابن أبي دؤاد علينا شيخا من أهل أذنة (٤) أيّام الواثق، فأدخل الشيخ على الواثق، وهو جميل الوجه تامّ القامة حسن الشيبة، فرأيت الواثق قد استحيى منه ورقّ له، فما زال يقرّبه حتّى قرب منه، فسلّم الشيخ وأحسن، ودعا فأبلغ. فقال الواثق:

اجلس! فجلس. فقال: يا شيخ، ناظر أبا عبد الله- يعني ابن أبي دواد- على ما يناظرك عليه. فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، إنّ ابن أبي دواد يصبأ (٥) ويضعف عن المناظرة. فغضب الواثق وعاد مكان الرقّة له غضبا عليه وقال: ابن أبي دؤاد يصبأ ويضعف عن مناظرتك أنت؟ فقال الشيخ: هوّن عليك يا أمير المؤمنين وائذن في مناظرته. فقال الواثق: ما دعوتك إلّا للمناظرة. فقال الشيخ: إن رأيت أن تحفظ عليّ وعليه ما نقول. فقال أفعل.

فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه:

هي مقالة واجبة [٥ ب] داخلة في عقد الدين، فلا يكون الذين كاملا حتّى يقال فيه بما قلت؟ .

قال: نعم.


(١) الرواية في المخطوط مضطربة، وصوّبناها على نصّ أعلام النبلاء ١١/ ٣١٣.
(٢) دار العامّة ببغداد.
(٣) في المخطوط: ويجوز. والإصلاح من أعلام النبلاء ١١/ ٢١٤.
(٤) أذنة بالذال المعجمة: بلد بالثغور قرب المصيصة (ياقوت).
(٥) يصبأ: يخرج من دين إلى دين، أو يدخل في دين الصابئة.
وفي أعلام النبلاء ١١/ ٣١٤: نصّبوا ابن أبي دواد، وفي المناقب (٣٥٣): يقلّ ويصبأ ويضعف ...

<<  <  ج: ص:  >  >>