للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم حين بعثه الله إلى عباده، هل ستر شيئا ممّا أمره الله به في أمر دينهم؟ .

قال: لا.

قال الشيخ: فدعا رسول الله صلّى الله عليه وسلم) [الأمّة] إلى مقالتك هذه؟ فسكت ابن أبي دؤاد. فقال له الشيخ: تكلّم! فسكت فالتفت الشيخ إلى الواثق فقال: يا أمير المؤمنين، واحدة؟ فقال الواثق:

واحدة.

فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن الله عزّ وجلّ حين أنزل القرآن على رسول الله صلّى الله عليه وسلم فقال:

الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلامَ دِيناً [المائدة: ٣] هل كان الله تعالى الصادق في إكمال دينه وأنت الصادق في نقصانه حتى يقال فيه بمقالتك هذه؟ فسكت ابن أبي دواد.

فقال الشيخ: تكلّم! فسكت. فالتفت الشيخ إلى الواثق فقال، يا أمير المؤمنين، اثنتان؟ فقال الواثق: اثنتان. فقال الشيخ: يا أحمد، أخبرني عن مقالتك هذه، علمها رسول الله صلّى الله عليه وسلم أم جهلها؟

قال ابن أبي دواد: علمها. قال: فدعا الناس إليها؟ فسكت، فقال الشيخ: يا أمير المؤمنين، ثلاث؟ فقال الواثق: ثلاث.

فقال الشيخ: يا أحمد، فاتّسع لرسول الله صلّى الله عليه وسلم أن علمها وأمسك عنها كما زعمت ولم يطالب أمّته بها؟ قال: نعم. قال الشيخ: واتّسع لأبي بكر وعمر بن الخطّاب وعثمان وعليّ رضي الله عنهم؟

قال ابن أبي دواد: نعم. فأعرض الشيخ [ ... ] على الواثق فقال: يا أمير المؤمنين، قد قدّمت القول أنّ أحمد يصبأ ويضعف عن المناظرة، يا أمير المؤمنين، إن لم يتّسع لنا من الإمساك عن هذه المقالة بما زعم هذا أنّه اتّسع لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، فلا وسّع الله على من لم يتّسع له ما اتسع لهم! فقال الواثق: نعم، إنّ لم يتسع [لنا] من الإمساك عن هذه المقالة ما اتّسع لرسول الله صلّى الله عليه وسلم وأبي بكر وعمر وعثمان وعليّ، فلا وسّع الله علينا! اقطعوا قيد الشيخ! فلمّا قطع القيد ضرب الشيخ بيده على القيد حتّى يأخذه فجاذبه الحدّاد عليه، فقال الواثق: دع الشيخ يأخذه! فأخذه فوضعه في كمّه، فقال له الواثق، يا شيخ، لم جاذبت الحدّاد عليه؟ قال:

لأنّي نويت أن أتقدّم إلى من أوصي إليه إذا أنا متّ أن يجعله بيني وبين كفني حتى أخاصم به هذا الظالم- يعني ابن أبي دواد- عند الله يوم القيامة وأقول: يا رب سل عبدك هذا لم قيّدني وروّع أهلي وولدي وإخواني بلا حقّ أوجب ذلك عليّ.

وبكى الشيخ وبكى الواثق وبكينا. ثمّ سأله الواثق أن يجعله في حلّ وسعة ممّا ناله. فقال الشيخ:

والله يا أمير المؤمنين، لقد جعلتك في حلّ وسعة من أوّل يوم إكراما لرسول الله صلّى الله عليه وسلم إذ كنت رجلا من أهله. فقال له الواثق: لي إليك حاجة. فقال الشيخ: إن كانت ممكنة فعلت. فقال له الواثق:

تقيم عندنا فننتفع بك وفتياننا، فقال الشيخ: إنّ ردّك إيّاي إلى الموضع الذي أخرجني منه هذا الظالم أنفع لك من مقامي عندك، وأخبرك بما في ذلك: أصير إلى أهلي وولدي فأكفّ دعاءهم عنك، فقد خلّفتهم على ذلك. فقال له الواثق:

فتقبل منّا صلة تستعين بها على دهرك؟ فقال: يا أمير المؤمنين، أنا عنها غنيّ. فقال: سل حاجة.

فقال الشيخ: أو تقضيها يا أمير المؤمنين؟ قال:

نعم. قال: تأذن لي أن يخلّى لي السبيل الساعة.

قال: قد أذنت لك. فسلّم وخرج.

قال المهتدي بالله: فرجعت عن هذه المقالة، وأظنّ أنّ الواثق رجع عنها منذ ذلك الوقت.

<<  <  ج: ص:  >  >>