للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

لا عقل ولا قود! » وما رأيته سأل الله عزّ وجلّ في عشيّته إلّا العافية ممّا أصاب ذلك الرجل حتّى أمسى.

وقال أبو المليح: قال معاوية: ما باحتت (١) أحدا في عقله أشدّ عليّ من ابن عبّاس.

وقال أبو عوانة: كتب ابن عبّاس إلى الحسن بن عليّ: إنّ المسلمين قد ولّوك أمورهم بعد عليّ، فشمّر لحربك، وجاهد عدوّك، ودار أصحابك، واستر من الظنين ذنبه [بما] لا يثلم (٢) دينك، ووال أهل البيوتات والشرف تستصلح عشائرهم.

واعلم أنّك تحارب من حادّ الله ورسوله فلا تخرجن من حقّ أنت أولى به، وإن جاءك الموت دون ما تحبّ.

وقال أبو صالح [٢٠٩ ب] عن ابن عبّاس: من التمس الدين بالمخاصمة حيّرته المنازعة، ولن يميل إلى المغالبة إلّا من أعياه سلطان الحجّة.

وقال زيد بن أسلم عن عطاء بن يسار أنّ العبّاس قال لعبد الله: أنت أعلم منّي، ولكنّي أشدّ تجربة للأمور منك. وإنّ هذا الرجل- يعني عمر رضي الله عنه- قد قرّبك وقدّمك، فلا تفش له سرّا، ولا تغتب عنده مسلما، ولا تبتدئه بشيء حتّى يسألك عنه.

وفي رواية: إنّي أرى هذا الرجل قد أدناك وأكرمك، فاحفظ عنّي ثلاثا: لا يجرّبنّ عليك كذبا، ولا تفشينّ له سرّا، ولا تغتابنّ عنده أحدا (٣).

وكانت عند ابن عبّاس يتيمة فخطبها إليه رجل فقال: إنّي لا أرضاها لك.

قال: كيف وقد نشأت في حجرك وعندك؟

قال: إنّ فيها بذاء، وهي تتشرّف [وتنظر] (١*).

فقال: لا أبالي.

قال ابن عبّاس: فإنّي الآن لا أرضاك لها.

وشكا إليه رجل زوج ابنته، فقال له: ألم أقل لك: إنّ من زوّج ابنته من سفيه فقد عقّها؟

وقال [ابن عبّاس]: ما رأيت رجلا أوليته معروفا إلّا أضاء ما بيني وبينه، ولا رأيت رجلا فرط منّي إليه سوء إلّا أظلم ما بيني وبينه.

وقال: إذا ترك العالم قول «لا أدري» أصيبت مقاتله.

وسأل بعض أصحابه عن شيء فقال: لا أدري.

فقال ابن عبّاس: أحسنت: كان يقال: «لا أدري» نصف العلم.

وكان يقول: اسمح يسمح لك. ورواه مرفوعا أيضا.

وكان وهو أمير البصرة يغشى الناس في شهر رمضان فيحدّثهم ويفقّههم فلا ينقضي الشهر حتّى يفقّههم. فإذا كان آخر ليلة من شهر رمضان يعظهم ويتكلّم بكلام يودّعهم، ثمّ يقول: ملاك أمركم الدين، ووصلتكم الوفاء، وزينتكم العلم، وسلامتكم في الحلم، وطولكم المعروف. إنّ الله كلّفكم الوسع فاتّقوه ما استطعتم.

وكان يقول: عالم واحد أشدّ على الشيطان من ألف عابد- وروي عنه مرفوعا أيضا.

ودخل زياد على معاوية وعنده ابن عبّاس، فلم


(١) حاشية: مباحتة: مخالصة. وباحته: خالصه وكاشفه.
(٢) في المخطوط: واشتر دينه ولا تسلم دينك. والإصلاح من العقد ١/ ٢٦ وعيون الأخبار ١/ ١٤، مع اختلاط بين الضنين والظنين. وأخذنا بقراءة العقد في موضع آخر ٤/ ٣٦١.
(٣) العقد ١/ ٩.
(١*) زيادة من عيون الأخبار ٤/ ١٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>