للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تضع يدك في أيدينا فنبعث بك إلى ابن زياد بن سميّة فيمضي فيك حكمه، وإمّا أن تحارب! » فرأى أنّه هو وأصحابه قليل في كثير، وإن كان الله لم يطلع على الغيب أحدا، وأنّه مقتول. ولكنّه اختار المنيّة الكريمة على الحياة الذميمة. فرحم الله حسينا وأخزى قاتله! لقد كان من خلافهم إيّاه وعصيانهم ما كان في مثله واعظ وناه عنهم. ولكنّه قدر نازل، وإذا أراد الله أمرا لا يدفع. [أ] (١) فبعد الحسين نطمئنّ إلى هؤلاء القوم ونصدّق قولهم ونقبل لهم عهدا؟ لا والله! ولا نراهم لذلك أهلا.

أما والله لقد قتلوه طويلا بالليل قيامه، كثيرا في النهار صيامه، أحقّ بما هم فيه منهم، وأولى به في الدين والفضل. والله ما كان يبدّل بالقرآن الغناء، ولا بالبكاء من خشية الله الحداء، ولا بالصيام شرب الخمر، ولا بالمجالس في حلق [١٤٤ أ] الذكر تطلاب الصيد (٢). فسوف يلقون غيّا.

فثار إليه أصحابه وقالوا: أظهر بيعتك، فإنّه لم يبق أحد إذ هلك الحسين ينازعك هذا الأمر!

وكان ابن الزبير بويع سرّا، وهو إنّما يظهر أنّه عائذ بالبيت. فقال: لا تعجلوا!

هذا وأخبار تبلغ يزيد بن معاوية وقد أمهله سنة. ثمّ بعث إليه عشرة من أهل الشام، عليهم النعمان بن بشير الأنصاريّ. وكان أهل الشام يسمّون النفر العشرة «الركب»، وهم: عبد الله بن عضاه الأشعريّ، وروح بن زنباع الجذاميّ، وسعد بن حمزة الهمدانيّ، ومالك بن هبيرة السكونيّ، وأبو كبشة السكسكيّ، وزمل بن عمرو العذريّ، وعبد الله بن مسعدة الفزاريّ، وأخوه عبد الرحمن، وشريك بن عبد الله الكنانيّ،

وعبد الله بن عامر الهمدانيّ، ودفع إلى عبد الله بن عضاه سلسلة من فضّة ليقيّد بها عبد الله بن الزبير، فإنّه أعطى الله عهدا ليوثقنّه في سلسلة، وأعطاه برنس خزّ ليلبسه عبد الله على السلسلة حتى لا تظهر للناس.

فأقبلوا حتّى قدموا المدينة، فمرّ بها عبد الله بن عضاه على مروان بن الحكم فأخبره بما قدم له، وأنّ يزيد قد كتب إلى ابن الزبير: «إنّي قد بعثت إليك بسلسلة من فضّة وقيد من ذهب وجامعة من فضّة، وحلفت لتأتينّي في ذلك». فبعث معه بابنه عبد العزيز بن مروان وأخيه، وقال له: [إذا] بلّغته رسل يزيد رسالته فتعرّض له وتمثّل بقوله [الطويل]:

فخذها فليست للعزيز بخطّة ... وفيها مقال لامرئ متذلّل

أعامر إنّ القوم ساموك خطّة ... وذلك في الجيران غزلا بمغزل

أراك إذا ما كنت للقوم ناصحا ... يقال له بالدلو أدبر وأقبل

فلمّا قدم الركب مكّة وبلّغوا ابن الزبير رسالة يزيد قال عبد العزيز بن مروان لابن الزبير: «إنّ أبي أرسلني عناية بأمرك وحفظا لحرمتك» وأنشده الأبيات.

فقال له ابن الزبير: يا ابني مروان، قد سمعت ما قلتما. فأخبرا أباكما [البسيط]:

إنّي لمن نبعة صمّ مكاسرها ... إذا تناوحت النكباء والغير

فلا ألين لغير الحقّ أنملة ... حتى يلين لضرس الماضغ الحجر

ثم قال: «اللهمّ إنّي عائذ ببيتك الحرام! » فمن يومئذ سمي العائذ.


(١) زيادة من الطبريّ، ٥/ ٤٧٥.
(٢) في الهامش حاشية: يعرّض بيزيد. وانظر الكامل ٣/ ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>