الحجارة، فأعظم ذلك أهل الشام وأمسكوا أيديهم.
فأخذ الحجّاج حجر المنجنيق فوضعه فيه ورمى.
فلمّا أصبحوا جاءت الصواعق فقتلت من أصحابه اثني عشر رجلا فانكسر أهل الشام. فقال الحجّاج:
يا أهل الشام لا تنكروا هذا، فإنّي ابن تهامة، وهذه صواعقها، وهذا الفتح قد حضر، أبشروا!
فلمّا كان الغد جاءت الصاعقة فأصابت من أصحاب ابن الزبير عدّة، فقال الحجّاج: ألا ترون أنّهم يصابون كما تصابون؟ وأنتم على الطاعة وهم على خلافها!
ولم (١) يزل [٥٠٨ أ] القتال بينهم قائما حتّى غلت الأسعار عند ابن الزبير، واشتدّ الجوع بالنّاس، وتفرّقوا عنه. فخرج إلى الحجّاج نحو عشرة آلاف من أصحاب ابن الزبير بأمان، فيهم ابنا عبد الله بن الزبير، فخطب أصحابه فقال: قد ترون قلّة من مع ابن الزبير، وما هم فيه من الجهد والضّيق.
ففرحوا واستبشروا وتقدّموا فملئوا ما بين الحجون إلى أبواب المسجد، وابن الزبير يقاتلهم إلى أن رمي بأجرّة أرعش منها، فتكاثروا عليه حتّى قتل في جمادى الآخرة سنة ثلاث وسبعين. فلمّا رأى الحجّاج رأسه سجد، وقام ومعه طارق حتى وقفا عليه. وبعث بالرأس إلى عبد الملك بن مروان في عدّة رءوس، وصلب جثّة ابن الزبير منكّسة. فأرسلت إليه أسماء بنت أبي بكر أمّ عبد الله بن الزبير رضي الله عنه تقول له: قاتلك الله! على ماذا صلبته؟
فقال: استبقت أنا وهو إلى هذه الخشبة، فكانت له.
فاستأذنته في تكفينه ودفنه فأبى، ووكّل بالجثّة
من يحرسها، وكتب إلى عبد الملك بذلك. فكتب إليه يلومه ويقول: ألا خلّيت بينه وبين أمّه؟
فأذن لها، فدفنته.
وكان عروة بن الزبير لمّا قتل أخوه عبد الله بن الزبير ركب ناقته وسار إلى عبد الملك قبل أن يرسل الحجّاج بقتل ابن الزبير، فلمّا دخل سلّم عليه بالخلافة، فردّ عليه ورحّب به وعانقه وأقعده معه على السرير. فقال عروة: نمتّ إليك بأرحام قريبة، ولا قرب للأرحام ما لم تقرّب!
وحادثه حتّى جرى ذكر عبد الله، قال: إنّه كان.
قال عبد الملك: وما فعل؟
فخرّ عبد الملك ساجدا، فقال عروة: إنّ الحجّاج صلبه، فهب جثّته لأمّة!
وكان عروة شقيق عبد الله، أمّهما أسماء رضي الله عنها.
فقال: نعم.
وكتب إلى الحجّاج يعظّم صلب عبد الله، وكان الحجّاج قد كتب إلى عبد الملك أنّ عروة كان مع أخيه، فلمّا قتل عبد الله أخذ مالا من مال الله وهرب.
فكتب إليه عبد الملك أنّه لم يهرب، ولكنّه أتاني مبايعا. وقد أمّنته وحلّلته ممّا كان، وهو قادم عليك، فإيّاك وعروة!
فلمّا قدم عروة إلى مكّة بعد غيبته ثلاثين يوما، ودفع كتاب عبد الملك إلى الحجّاج، أنزل جثّة ابن الزبير.
ودخل مكّة فبايعه أهلها لعبد الملك. وأمر بكنس الحرم من الحجارة والدم. وطلب محمّد بن الحنفيّة عليه السلام ليبايع لعبد الملك،
(١) انقطعت هنا ترجمة الحجّاج من مخطوط ليدن.