للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فطال تناجيهما، ثم ارتفعت أصواتهما، يقول أبو العبّاس: «بلى والله! » ويقول أبو جعفر: «لا والله! » ثم خرج أبو جعفر فأخذ بيدي. فسألته عن تخالفهما، فقال: «ليس هذا وقت إخبارك»، وغمز يدي. فلمّا أفضى الأمر إليه وقتل أبا مسلم، دخلت عليه وهو طيّب النفس، فقال: «ألقوا لأبي الربيع وسادة! » فثنيت لي وسادة وجلست. فقال:

ألا أخبرك عن الأمر الذي سألتني عنه يوم دخلت على أبي العبّاس فتخالفنا؟

فقلت: أمير المؤمنين أعلم.

قال: تذاكرنا الدعوة فقال لي: أتذكر إذ كنّا نرمي وأبو مسلم يردّ علينا النبل، فقال إبراهيم:

«ما أكيسه! ويقتله عبد الله»؟ فقلت: «بلى! » فقال: «أنت عبد الله وأنت تقتله! » فقلت: «لا والله! » قال: «بلى والله! » فلمّا سلم منه وصنع ما صنع قلت: «أنا عبد الله، أقتله! » فقتلته.

وقال أبو جعفر: رأيت فيما يرى النائم، وأنا بالشراة، كأنّا [٩٢ ب] حول الكعبة، فنادى مناد من جوف الكعبة: أبو العبّاس! - فنهض فدخل الكعبة، ثم خرج وبيده لواء قصير على قناة قصيرة. ثمّ نودي: «عبد الله! » فنهضت أنا وعبد الله بن عليّ نبتدر. فلمّا صرنا على درجة الكعبة دفعته عن الدرجة فهوى، ودخلت الكعبة، فإذا رسول الله صلّى الله عليه وسلّم جالس، فعقد لي لواء طويلا على قناة طويلة وقال: خذه بيدك حتّى تقاتل به الدجّال!

ووردت على أبي جعفر المنصور خريطة من صاحب أرمينية ليلا، فلم يوصلها الربيع الحاجب إليه إلّا مصبحا. فقال له: يا ابن اللخناء، والله لهممت أن أضرب عنقك! أتحبس عنّي خريطة صاحب الثغر الأعظم ساعة واحدة فضلا عن ليلة؟

وسخط عليه يوما، ثمّ رضي عنه وقال: لا تعد!

ومن كلامه: من أحبّ أن يحمد بغير مرزئة (١*) فليحسّن خلقه وليبسط بشره.

وقدم عليه وفد من المدينة، وفيهم عبد الرحمن بن محمد بن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم، فسأل عبد الرحمن عن حالهم فأخبره بما كان من الوليد بن عبد الملك من أخذ أموالهم. فأمر بردّها عليهم.

وبلغه أنّ عجلان بن سهيل الباهليّ سمع رجلا قال- وقد مرّ هشام بن عبد الملك-: «قد مرّ الأحوال» فقال له: «يا ابن اللخناء، أتسمّي أمير المؤمنين بالنبز؟ » وعلاه بسوطه، ثم قال: «لولا رحمتي لك لضربت عنقك! » فقال المنصور: هذا والله الذي ينفع معه المحيى والممات!

وقدم عليه زياد بن أنعم المحدّث، فقال له:

لقد استرحت من وقوفك بباب هشام وذوي هشام.

فقال: يا أمير المؤمنين، ما رأيت في تلك المواقف شيئا أنكره إلّا وقد رأيت في طريقي إليك ما هو أعظم منه.

فقال له المنصور: ويحك! إنّا لا نجد من نولّيه أعمالنا ممّن نرتضيه.

فقال: بلى والله يا أمير المؤمنين! لو طلبتهم لوجدتهم. إنّما الملك بمنزلة السوق يجلب إليها ما ينفق فيها (٢*).

وأقبل يوما راجعا من ركوبه يريد قصره فلمّا صار على بابه رأى فرج بن فضالة المحدّث جالسا، فلم يقم له. فلمّا دخل القصر دعا به فقال له: ما منعك من القيام حين رأيتني؟


(١*) المرزئة والرّزء: المصيبة (رزأه يرزؤه ماله: أصاب منه ونقصه).
(٢*) زياد بن أنعم الشعباني المحدّث: رياض النفوس ١/ ١٢٩ (٤٧) وهذه المقولة معروفة.

<<  <  ج: ص:  >  >>