للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

والبسر بالعراق.

قال: قد وجّهت إلى مدينة السلام، فجاءوني بكباستين (١). وقد علمت أنّك تشتهيه.

ثمّ قال: يا أيتاخ، هات إحدى البكباستين!

فجاء بكباسة بسر فمدّ ذراعه وقبض عليها بيده وقال: كل بحياتي عليك من يدي!

فقلت: جعلني الله فداك يا أمير المؤمنين، بل تضعها فآكل كما أريد.

قال: لا والله، إلّا من يدي!

فو الله ما زال حاسرا ذراعه ومادّا يده وأنا أجتني من العذق حتى رمى به خاليا، ما فيه بسرة.

(قال): وكنت كثيرا ما أزامله في سفره ذلك، إلى أن قلت له يوما: يا أمير المؤمنين، لو زاملك بعض مواليك وبطانتك فاسترحت منّي إليهم مرّة، ومنهم إليّ أخرى، فإنّ ذلك أطيب لنفسك، وأنشط لقلبك، وأشدّ لراحتك.

قال: فإن سيما الدمشقيّ يزاملني اليوم، فمن يزاملك أنت!

قلت: الحسن بن يونس.

قال: فأنت وذاك.

فدعوت بالحسن فزاملني. وتهيّأ أن ركب بغلا واختار أن يكون منفردا، وجعل يسير بمسير بعيري، فإذا أراد أن يكلّمني رفع رأسه، وإذا أردت أن أكلّمه خفضت رأسي. فانتهينا إلى واد لم يعرف غور مائه، وقد خلّفنا العسكر وراءنا. فقال لرحّالي: مكانك! حتى أتقدّم فأعرف غور الماء وأطلب قلّته، واتّبع أنت مسيري- وتقدّم رجل فدخل الوادي وجعل يطلب قلّة الماء، وتبعه المعتصم فمرّة ينحرف عن يمينه وأخرى عن

شماله، وتارة يمضي لسننه ويتبع أثره حتّى قطعنا الوادي (٢).

وذكر عمرو بن محمد الرومي قال: كان على بيت مال المعتصم رجل من أهل خراسان يكنّى أبا حاتم. فخرجت لي جائزة فمطلني بها، وكان ابنه قد اشترى جارية مغنّية تسمّى «قاسم» بستّين ألف درهم، فعملت فيها شعرا، وجلست ألاعب المعتصم بالشطرنج في يوم [١٨٦ ب] الخمار- وكان يشرب يوما ويستريح يوما ليلعب فيه ويلعب بين يديه- فجعلت أنشده [السريع]:

لتنصفنّي يا أبا حاتم ... أو لتصيرنّ إلى حاكم

فتعطي الحقّ على ذلّة ... بالرغم من أنفك ذا الرغم

يا سارقا مال إمام الهدى ... سيظهر الظلم على الظالم

ستّون ألفا في شرا قاسم ... من مال هذا الملك النائم

فقال لي: ما هذا الشعر؟

فتفازعت كأنّي أنشدته ساهيا وتلجلجت، فقال: أعده!

فقلت: إن رأى أمير المؤمنين إن يعفيني- وإنما أريد أن أحرّضه على أن يسمعه.

فقال: أعده، ويلك!

فأعدته، فقال: ما هذا؟

فقلت: أظنّ صاحب بيت المال مطل بعض هؤلاء الشعراء في شيء له. فعمل فيه هذا الشعر.

قال: فما معنى قاسم؟

قلت: جارية اشتراها ابنه بستّين ألف درهم.


(١) الكباسة: عذق التمر.
(٢) الذي اختبر الغور هو المعتصم.

<<  <  ج: ص:  >  >>