للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

ليلة بعد أن التقى هو وعلقمة بن عبد الرحمن.

فأصبح يوما وقد سقيت خيوله وعلّفت وجمّت فقال لأصحابه: ما ترون؟

قالوا: الرأي رأيك، فمرنا بأمرك!

قال: هل لكم أن تدعوا بابن أبي الرغال الليلة، وذلك بعد ارتفاع الضحى؟

قالوا: يا أمير المؤمنين، قد منع النهار.

قال: وإن.

فقرط فرسه عنانه، وقرّطوها أعنّتها، وسار بهم حتّى دخلوا الكوفة ليلا بعد ما صلّيت العشاء الآخرة، وهو في مائة وخمسين رجلا، ومعه امرأته الجهيرة بنت عمرو، وأمّه غزالة من سبي أصبهان.

وكان الحجّاج قد رحل من البصرة ودخل الكوفة بعد العصر، وتحصّن بالقصر. وفي المسجد أصحاب البرانس يصلّون في السواري، وقد قامت الأحراس في السّكك، وخرج حرس الحجّاج إلى المسجد.

فأقام شبيب على كلّ باب رجلين، وأمرهم أن يقتلوا من مرّ بهم. وقال لأمّه وامرأته: اقعدا على المنبر لا يصيبكما أحد بمعرّة.

ودخل المسجد فقتل المصلّين، ومن فرّ قتله الذين على الأبواب، وأخذ ميمون العذاب مولى حوشب بن يزيد بن رؤيم الشيبانيّ- وكان حوشب يومئذ على الخراج، وميمون خليفته. فقال له شبيب: أين حوشب؟

قال: في منزله.

فأرسل عدّة من أصحابه ليأتوا به فامتنع، فأتاه ميمون، ومعه عدّة من أصحاب شبيب، فأعلمه بقدوم شبيب فذبحه شبيب وجعل أصحاب شبيب يضربون باب القصر على الحجّاج، ويقولون: يا عدوّ الله! يا ابن أبي رغال! يا أخا ثمود!

وفي ذلك يقول عتبان بن وصيلة الشيبانيّ (١) أحد أصحاب شبيب [الطويل]:

لعمري لقد نادى شبيب وصحبه ... على الباب لو أنّ الأمير يجيب

فأبلغ أمير المؤمنين رسالة ... وذو النصح لو يدعى إليه قريب

أتذكر إذ دارت عليك رماحنا ... بمسكن والكلبيّ ثمّ غريب؟

فلا صلح ما دامت منابر أرضنا ... يقوم عليها من ثقيف خطيب

٥ فإنّك إن لا ترض بكر بن وائل ... يكن لك يوم بالعراق عصيب

فلا ضير إن كانت قريش عدى لنا ... يصيبون منّا مرّة ونصيب

فإن يك منهم كان مروان وابنه ... وعمرو ومنهم هاشم وحبيب

فمنّا سويد والبطين وقعنب ... ومنّا أمير المؤمنين شبيب

ومنّا سنان الموت وابن عميرة ... ومرّة، فانظر أيّ ذاك تعيب

فقال عبد الملك بن مروان لمّا بلغته الأبيات:

كلامهم والله أعجب!

فلمّا طلع الفجر قال شبيب لبعض أصحابه:

«أذّن وأقم! » فأذّن وأقام. وتقدّم شبيب فصلّى بأصحابه، فقرأ سورة البقرة و [سورة] آل عمران حتى كادت الشمس تطلع، ثمّ جلس وسط المسجد ساعة، فأقبلت الجيوش فقال لأصحابه: اركبوا.

فأمر الحجّاج قوما فقاموا على زوايا المسجد فنادوا: يا خيل الله، اركبي!


(١) في المخطوط: وصيلة بن عتبان، والإصلاح من إحسان عبّاس: خوارج ١٨٢ وقد أضاف بيتين.

<<  <  ج: ص:  >  >>