للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فقال روح: أخلق بقفا هذا أن يجرّ شرّا!

وخرج شبيب من العراق ومنزلة الكوفة، وقد سبقه صالح بن مسرّح التميميّ بالخروج، فانضمّ إليه حتّى قتل. فبايع الخوارج شبيبا، فأقبل حتى كان فيما بين الموصل والعراق. فبعث إليه بشر بن مروان خيولا فهزمها. وأقام نحوا من سنة، فكثف أمره واشتدّ، ومات بشر بن مروان، وولي الحجّاج العراق، فقام قطريّ بن الفجاءة (١) خطيبا، فقال بعد حمد الله والثناء عليه: إنّ الله قد قيّض للفاسق أخي ثمود- يعني الحجّاج- رجلا من الصفريّة- يعني شبيبا- قد أشجاه الله وشغله بنفسه، والله ما يبالي في أيّ الفريقين كان الفتح.

فوجّه الحجّاج إلى شبيب عبيد بن أبي المخارق في رجال أهل الشام، وقد نزل شبيب الأنبار، فهزمه شبيب. ثمّ وجّه إليه يزيد بن هبيرة المجاري فهزمه. ثمّ بعث إليه زحر بن قيس فهزمه، وأصابته ثمانون طعنة وضربة، فعاد وهو يحمل في القطن، وعينه مفلوقة، فقال الحجّاج: يا أهل الشام، من أحبّ منكم أن ينظر إلى الشهيد الحيّ فلينظر إلى هذا! إنّ عين هذا لتنفخ مسكا في الجنّة!

فقال زحر للّذي يحمله: ما أرضانا بالزيت!

ثمّ بعث الحجّاج عبد الرحمن بن محمد بن الأشعث بن قيس فهزمه شبيب، فبعث عتّاب بن ورقاء التميميّ فلقيه شبيب وقتله. فبعث إليه الجزل الكندي مولى آل عتبة بن أبي معيط فقتله، فبعث إليه أبا الورد مولاه فقتله. فبعث إليه زياد بن عمرو العتكيّ فانهزم وقتل. فبعث إليه محمد بن

موسى بن طلحة بن عبيد الله فقتله شبيب، فبعث إليه أبا الضريس مولى بني تميم فقتله.

ومكث شبيب أربع سنين، ثمّ ضرب الحجّاج البعث على الكوفة وخرج حتى عسكر في السبخة (٢)، وأقبل شبيب ينتقل فيها بين السواد والجبل، فبعث إليه الحجّاج عبد الله بن رميثة الطائيّ، ولم يكن مع الحجّاج يومئذ من أهل الشام إلّا نحو من سبعمائة رجل، فكتب ابن رميثة يستأمر الحجّاج، فكتب إليه أن: أقم مكانك، فما شعر الحجّاج، وهو في عسكره بالسبخة، إذ أقبل شبيب وقد سبق أصحابه في ثلاثين فارسا ففرّقهم في نواحي عسكر الحجّاج، ثم قال: «لا حكم إلّا لله! »، فانذعر الناس ودخل عامّتهم الكوفة، وقتل من أصحاب الحجّاج نحوا من ثلاثين ومائة رجل، ولم يقتل من أصحاب شبيب إلّا رجلان.

ثمّ انصرف شبيب فلقي أصحابه في الطريق فردّهم، ثمّ أقبل حتى أتى الفالوجة فأقام بها خمس عشرة ليلة، ثمّ أقبل إلى الكوفة فبلغ الحجّاج فرحل إلى كوثى (٣)، وبعث إليه علقمة بن عبد الرحمن الحكميّ. فرجع شبيب إلى الأنبار، فضرب الحجّاج البعث على أهل الكوفة فجعلوا ينهزمون، ومرّ ابن الحرميّة العبدي على بقّال بالكوفة، وكان قد كتب بالبعث فقال: يا بقّال، إنّكم لفي عافية، فلمّا بلغت الحجّاج كتب إلى عبد الملك: الغوث! وجّه إليّ أهل الشام. وإنّ رجلا من أهل العراق مرّ ببقّال، فقال: كذا وكذا.

فأمدّه عبد الملك بأربعة آلاف من أهل الشام، فقدموا عليه وشبيب بالأنبار، وقد أقام بها عشرين


(١) حاشية بالهامش: قطري بن جعونة، وهو الفجاءة، لأنّه كان باليمن فقدم عليه فجأة. وجعونة ابن [مازن] بن يزيد بن زياد بن خنثر بن كابية بن حرقوص بن مازن بن مالك بن عمرو بن تميم (وقد سقط مازن من نسبه في جمهرة ابن حزم ٢١٢)، وكنية قطري أبو محمد وأبو نعامة وأبو عبد الله.
(٢) زاد الطبري ٦/ ٢٧٥: بين الكوفة والفرات.
(٣) كوثى: بأرض بابل من سواد العراق (ياقوت). ولم يذكرها الطبريّ في خبر الحجّاج مع شبيب (سنتي ٧٦ و ٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>