للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان في علوّ داره. فنزل ومضى إلى صفّة فجلس بها واستدعى أبا محمد وابن الحدّاد. فلمّا رآهما قام وتلقّاهما، وكان قد كره أن يدخل عليهما، فيقوم أبو محمد الحسن له، لمكانه من رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فاستحسن هذا من فعل ابن أبي زرعة.

وأخذ أبو محمد في إصلاح ما بين ابن الحدّاد وبين ابن أبي زرعة حتّى اصطلحا. فقال ابن أبي زرعة: ما كان بدّ لنا (١) من نصيب- يشير بذلك إلىحدّة خلق ابن الحدّاد- والله ما أعدّه إلّا والدا.

فانكبّ ابن الحدّاد عليه يقبّله، وعاد إلى حاله حتّى فرّق الموت بينهما. ولم يكن يخالف ابن [٤٧٨ ب] الحدّاد في شيء.

ودخل عليه جماعة من الماذرائيّين- وهم أصهاره، فإنّه تزوّج بنت الحسين بن أحمد بن أبي زنبور، وأتاه منها ابنة زوّجها من أبي القاسم أحمد بن الحسين العقيقيّ- فقال له الماذرائيّون:

وعدنا القاضي بالسجلّ.

فقال: قد تقدّمت بكتبه.

ثمّ دخل عليه ابن الحدّاد فقال لهم: وأنا أتقدّم إلى الشيخ أبي بكر أيضا في أمرها- وكان المجلس حفلا. فلمّا جلس ابن الحدّاد ساعة قال له ابن أبي زرعة: أنت عارف بخديجة ابنة الحسين بن أحمد؟

قال: أعرفها- وكانت أخت زوجة ابن أبي زرعة.

فقال له: قد عزمت على الحجر عليها، فما تحوكم إليك في أمرها فلا تمضه، من بيع أو شراء وغير ذلك. [اشترت] ثيابا بثلاثمائة دينار نسيئة ما تحتاج إلى شرائها.

فقال ابن الحدّاد: إذا كان هذا الموجب للحجر عليها فاحجر عليّ: فمنذ أيّام اشتريت ثيابا

بخمسمائة دينار، وتديّنت منها مائتي دينار ما أحتاج إليها إلى [٤١١ أ] ستّين سنة.

فقال عبد الله بن أحمد طباطبا: إذا فزع الشيخ- وانصرف الماذرائيّون بغير حاجة.

فلمّا صرف محمد بن الحسين بن أبي الشوارب عن القضاء بأبي نصر يوسف بن عمر بن أبي عمر، وكان حدثا عمره عشرون سنة، ورد كتابه على ابن أبي زرعة بتقليده قضاء مصر. فقبله وقرأه على الناس، وفيه: وهذا عهدي إليك بخطّ يدي.

فقال ابن الحدّاد لابن أبي زرعة: إنّه عهد صبيّ، فكيف تقبل عهد صبيّ؟ وما على القاضي أن يأخذ هذا كلّه رئاسة من الأصل (٢).

فقال: لو أردت أن آخذ قضاء القضاة (٣) لفعلت. وقد كتبت في أمر قضاء الحرمين.

وكان ورود كتاب أبي نصر سنة سبع وعشرين.

ولم تطل أيّام ابن أبي زرعة في القضاء، حتى مات يوم الجمعة، وهو يوم النحر، سنة سبع وعشرين وثلاثمائة، وعمره اثنتان وأربعون سنة. فكانت ولايته ثلاث سنين.

وكان عارفا بالأحكام منفّذا فقيها على مذهب الشافعيّ مثل أبيه (٤). وكان يغتسل في وقت كلّ صلاة أو في كلّ يوم. وينفق على مائدته في كلّ شهر أربعمائة دينار.

واتّسعت ولايته وكثر خلفاؤه. وكان كثير الحباء سمحا مفضلا: بلغه أنّ ابن الحدّاد بنى دارا، فأرسل إليه ثلاثمائة دينار وقال: اشتر بها ستورا.


(١) في الولاة والقضاة ٥٥٢: ما كان لنا بدّ من نصيب.
(٢) في الولاة والقضاة ٥٦٣: وما عليك أن تأخذ أنت هذا الأمر.
(٣) الكندي ٥٦٣: قضاء بغداد.
(٤) أبوه هو أبو زرعة محمد بن عثمان بن إبراهيم (ت ٣٠٢) - الإسنويّ، ١/ ٥١٩ (٤٧٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>