للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

من هذه الحال التي ظننت أنّ العرض على الله يسبقها، وأنّ المعتقد المقدّس قد استحكم في الثقة بي استحكاما تقصر أيدي الأيّام عن صناعة مثلها، أولى. فإن كان يظنّ أنّ ما وسمت به من النسب المستعار، يحملني على الازورار، فإنّ الأمر بضدّه، إذ كان أصلي من البصرة، وانتقل سلفي عنها في فتنة الورزنينيّ (١) إلى بغداد. وكان جدّ أبي- وهو أبو الحسن علي بن محمد- يخلف على ديوان المغرب، فنسبت به إلى المغربيّ.

وولد له جدّي [٣٩٣ أ] الأدنى ببغداد في سوق العطش، ونشأ وتقلّد أعمالا كثيرة، منها تدبير محمد بن ياقوت عند استيلائه على أمر المملكة.

وكان خال أبي، وهو أبو علي هارون بن عبد العزيز الأوراجيّ الذي مدحه المتنبيّ (٢)، متحقّقا بصحبة أبي بكر محمد بن رائق. فلمّا لحق أبا بكر ما لحقه بالموصل سار جدّي وخال أبي إلى الشام والتقيا بالإخشيد. وأقام [٤٦١ أ] والذي وعمّي رحمهما الله بمدينة السلام، وهما حدثان، إلى أن توطّدت أقدام شيوخهما بتلك البلاد. وأنفذ الإخشيد غلامه فاتك المجنون (٣)، الممدوح المشهور، فحملهما ومن يليهما إلى الرحبة وسار بهما على طريق الشام إلى مصر. وأقامت الجماعة هناك إلى أن تجدّدت قوّة للمستولي على مصر، فانتقلوا بكلّيّتهم وحصلوا في حيز سيف الدولة أبي الحسن [علي] بن حمدان مدّة حياته. واستولى

جدّي على أمره استيلاء تشهد به مدائح لأبي نصر ابن نباته فيه. ثمّ غلب أبي من بعده على أمره وأمر ولده، وتدلّ على ذلك مدائح أبي العبّاس النامي فيه. ثمّ شجر بينهما ما يتّفق مثله بين المتصاحبين في الدنيا (٤) ففارقه من الرحبة وانحدر إلى الأنبار قاصدا مدينة السلام. فلمّا حصل بالأنبار وجد العراق مضطربا وبهاء الدولة رحمه الله في أوّل أمره غالبا. وخوّف من المقام فركب مغرّرا بنفسه قاصدا إلى الشام ليتمكّن من تعرّف أخبارنا وافتكاك إسارنا، فإنّا كنّا بحلب معوّقين من بعده.

فلقي بمصر الحظوة التي عرفت- وليتها ما اتّفقت! - فإنّ ختامها كان سمّا ذعافا وعقباها كانت بوارا واجتياحا. وانتقلت في إثره، وكانت والدتي من أهل العراق، ولنا أملاك إلى اليوم بالنعمانيّة موروثة. فكنّا بمصر زوّارا، وبالعراق لمّا انتقلنا إليها قاطنين وألّافا. فهذا أوّلا حديث الأصل الذي وقع الاشتباه به وتمّ التمويه فيه.

ثمّ أرجع إلى ذكر الدين: فإنّي نشأت وغذّيت بكتب الحديث وحفظ القرآن ومنافثة الفقهاء ومجالسة العلماء. وو الله ما رأيت بتلك البلاد مأدبة ولاوليمة، ولا كنت متشاغلا إلّا بعلم أو درس، ولقد سلم لي من جزازات (٥) كتبي ما هو اليوم دالّ على تشاغلي بالدين القيّم، واستمراري على النهج الأسلم. فإنّه ليس كتاب من كتب السنّة إلّا وقد أحطت به رواية، ورمته دراية، وههنا اليوم نسختان من موطّإ مالك بسماعي من جهتين


(١) فتنة الورزنينيّ: هي فتنة صاحب الزنج علي بن محمد العلويّ (ت ٢٧٠) الأعلام، ٥/ ١٤٠ وفي المخطوط:
الورديني. وفي الكامل ٧/ ٢٠٦: قرية. وعند ياقوت:
من أعيان قرى الريّ.
(٢) مدحه المتنبيّ بقصيدة: أمن ازديارك في الدجى الرقباء ...
(٣) هو فاتك الروميّ أبو شجاع، مدحه أبو الطيب بقصيدة:
لا خيل عندك تهديها ولا مال ...
(٤) في الكلام هنا نقص، والإكمال من مقدّمة الشيخ حمد الجاسر ص ١٢ وهو ينقل عن ابن العديم في تاريخ حلب.
(٥) الجذاذات والجزازات بمعنى.

<<  <  ج: ص:  >  >>