للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فامتنع محمد بن عليّ من ذلك، واستجاش بالمغاربة، ومنعه من مصر فأقام بجرجير (١).

ووردت ولاية محمّد بن طغج في رمضان، وهو بدمشق. ثمّ قدمت ولاية أحمد بن كيغلغ في تاسع شوّال. فشغب الجند في أرزاقهم على محمد بن عليّ [الماذرائيّ] وحرقوا دوره ودور أهله. ووقعت فتنة بين الجند فافترقوا فرقتين، واقتتلوا في خامس ذي الحجّة وجرت بينهم أمور.

فبينا هم فيها إذ قدم عليهم محمد بن تكين في ثالث عشر ربيع الأوّل سنة اثنتين وعشرين [وثلاثمائة] وأظهر ولايته على مصر فأنكر ذلك محمد بن عليّ، وصار في فرقة، وابن تكين في فرقة، وأحمد بن كيغلغ في فرقة. ووقعت حروب آلت إلى انهزام محمد بن تكين بعد مائة يوم واثني عشر يوما.

وأخذ أحمد بن كيغلغ المدينة وأسر ابن تكين ونفاه إلى الصعيد برأي محمد بن عليّ.

فوافت عساكر محمد بن طغج إلى تنيس مع صاعد بن الكلملم، وسار من مقدّمته في البرّ.

فعزم أحمد بن كيغلغ على أن يسلّم إلى محمد بن طغج، فأبى عليه محمد بن عليّ، وجهّز جيشا ليمانعه، فانهزم جيشه في سابع عشر شعبان، وكان قد أخرج محمد بن عليّ جميع من في مصر من أصحاب ابن تكين وأبيه، ولم يبق بمصر سوى المصريّين وأصحاب أحمد بن كيغلغ والمغاربة.

فلمّا فرغ من عرض العساكر عليه وضع العطاء، وعسكر خارج المدينة من الجبل إلى البحر، وصار يواصل الركوب إلى الجمعة لا يدعها على حال، وبين يديه وخلفه جيش مصر، فيهم جميع الأمراء

والقوّاد، وهو بالطيلسان.

فلمّا قدم محمد بن طغج خرج [١٠٨ أ] إليه أكثر الجند، ولقيه أحمد بن كيغلغ في ثالث عشر من شهر رمضان، فلم يقاتله، وسلّم إليه. فدخل محمد بن طغج إلى الفسطاط في رابع عشر منه واستتر محمد بن عليّ إلى أن قدم الوزير أبو الفتح الفضل بن جعفر بن محمد بن الفرات (٢)، فدلّ على موضعه، فركب هو والأمير محمد بن طغج وكبسا عليه الدار وأخذاه، فأسلمه محمد بن طغج إلى ابن الفرات. فلمّا دخل عليه قال له: إيش خبرك يا أبا بكر؟

قال: بخير أيّد الله الوزير!

فقال: إيش هذا الاستيحاش والتستّر؟ أنت تعلم أنّ الحجّ قد أطلّ ونحتاج لإقامة الحجّ.

فقال: نعمل على هذا إن كان إليّ (٣) خمسة عشر ألف دينار.

قال: إيش خمسة عشر ألف دينار؟

قال: ما عندي غير هذا.

فقال له ابن الفرات: بهذا ضربت وجه السلطان بالسيف- يعني الأمير محمد بن طغج- ومنعت البلد من الدخول!

ثمّ صاح: يا شادن (٤)، خذه إليك!

فأقامه وأدخله إلى بيت، وانصرف محمد بن طغج.


(١) خبر الفتن بين المترشّحين لولاية مصر مستفيض في تراجمهم في المقفّى: أحمد بن كيغلغ، محمد بن طغج، محمّد بن تكين إلخ ...
(٢) الفضل بن الفرات ابن حنزابة، هو والد الوزير جعفر بن الفرات الذي استقبل جوهرا وعقد معه العهد. وانظر عن الفضل التعليق ص ٥٦٧ من فهرس كتاب العيون والحدائق.
(٣) معناه: إذا كلّفتموني بإمارة الحجّ، بذلت هذا المبلغ.
(٤) شادن: مولى الفضل بن الفرات، وقد تولّى شرطة مصر بعد سعيد بن عثمان في صفر سنة ٣٢٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>