للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكان تكين أمير مصر يشيّعه إذا خرج ويتلقّاه إذا رجع. وكان يحمل إلى الحجاز في كلّ سنة جميع ما يحتاج إلى تفرقته هناك من الدنانير والدراهم والثياب والحلوى والطيب والحبوب، ولا يترك من الأصناف صنفا حتى يحمله، بحيث إنّه لا ينصرف من الحجاز إلّا وجميع من فيهأغنياء.

ولقد قيل مرّة وهو بالمدينة النبويّة: «ما بات في هذه الليلة أحد بمكّة والمدينة وأعمالهما إلّا وهو شبعان من طعامك! » فبكى وخرّ ساجدا.

ووافى مرّة الوزير علي بن عيسى وهو بالمدينة النبويّة، فمشى في خدمته، وصاح أهل المدينة من الأشراف وغيرهم، ودعوا له وقالوا: أنت أبو الدنانير، وأبو الدراهم، وأبو القمح، وأبو الثياب، وأبو الحلوى، وأبو الخيرات، أحياك الله وكبت عدوّك!

وهو يقول: ادعوا لسيّدنا الوزير، أيّده الله!

فصاحوا: لا، أنت! ما نعرف سواك!

فضجر عليّ بن عيسى وقال: قد أغريتهم بي!

فقال: سبحان الله! إنّما الدعاء لسيّدنا الوزير، أيّده الله!

وكان طول السنة يرسل إلى الحجاز في البحر، فلم يزل مواصلا للحجّ إلى سنة اثنتين وعشرين وثلاثمائة. فلمّا دخل أبو بكر محمد بن طغج الإخشيد إلى مصر انقطع حجّه واستتر منه، فإنّه كان قد منعه من الدخول إلى مصر ونصب العساكر لقتاله وكانت عدّة العساكر التي جمعها لقتال الإخشيد ثلاثين ألفا، قام بتدبيرهم منذ مات تكين أمير مصر في ربيع الأوّل سنة إحدى وعشرين [وثلاثمائة]. فلمّا مات تكين استوحش وخاف أن يحضر جنازته فأتاه عبد الله بن أحمد بن طباطبا (١)، وقال له: رأيت فيما يرى النائم أنّ تكين يموت في يوم كذا، وأنّ محمّد بن عليّ الماذرائيّ لا يصيبه شيء، إلّا أنّه يعيش حياة نكدة.

فمات تكين في ذلك اليوم بعينه، وما زال به حتى ركب وحضر الجنازة. فلمّا وضعت، وتقدّم القاسم بن عبد الله الشبيبي ليصلّي، وكبّر أبو بكر من ورائه تكبيرتين، قرأ أبو جعفر ابن المتّفق وزير تكين، وهو إلى جانبه: إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ [القصص: ٢٠]. فقطع أبو بكر الصلاة ومضى. ولمّا شيّع الناس محمّد بن تكين وقد مضى بتابوت أبيه إلى القدس، سعوا بينه وبين أبي بكر حتى وقعت فتن عظام، وأحرقوا دوره ودور أهله وكثير من مجاوريه. واستتر وأخذ خليفته محمد بن عليّ الكرخيّ وجماعة من عمّاله.

[١٠٧ أ] وكتب أبو بكر محمد بن تكين إلى بغداد يسأل في إمارة مصر. وكتب أبو بكر الماذرائيّ أيضا يلتمس أميرا. فعاد إلى ابن تكين سجلّ بإمارة مصر. ورجع جواب أبي بكر الماذرائيّ بتفويض أمر مصر وردّ تدبيرها إليه، وأن يولّي من يختار. وقدم بهذا الجواب أحمد بن كيغلغ، فورد قبل قدوم ولاية ابن تكين. وورد كتاب من الحضرة على كلّ من ابن تكين وأبي بكر الماذرائيّ بوصيّة كلّ منهما بصاحبه. فظهر حينئذ أبو بكر الماذرائيّ من الاستتار ودبّر أمر البلد، وصار ابن كيغلغ من تحت يده، وجميع الجيش يغدون إليه ويروحون. فأنفق في الناس واصطنع قوما وقتل جماعة من أصحاب ابن تكين وأبيه.

هذا وابن تكين بالقدس.

فلمّا ورد عليه تقليد إمارة مصر سار إليها.


(١) عبد الله ابن طباطبا: له ترجمة في المقفّى (رقم ١٥١٦)، وكانت وفاته سنة ٣٤٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>