للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

تجاذبوا ردائي فمزّقوه، وقبضت ركابي، ورميت في تلك الحملة برمح] (١) أخذته في درقتي فنفذ إلى صدري، وأثخنوا فرسي بالحجارة فكاد يسقط تحتي، فوثقت بالله وطبت بالشهادة في سبيله نفسا، وقلت: يا نفس، حبّذا والله موقف عشت بعده عزيزا أو رحت منه شهيدا إلى لقاء جدّي رسول الله صلّى الله عليه وسلم، فو الله ما ثنيت عنهم عنانا، وإنّي لواقف في غلالة ورداء ودرقة، فما هو إلّا أن تجلّى الغبار ورأوني قائما في وجوههم فانهزموا وولّوا الأدبار. واتّبعتهم وحدي في وعر لا مسلك للخيول فيه، ورآني الأولياء واستيقنوا بسلامتي فعطفوا عليهم عطفة واحدة، فصحت بهم وحرّضتهم فاستأسدوا وتفرّقوا يمينا وشمالا في طلبهم وقتلهم، وملكت القلعة بالسيف قسرا.

«وانجحر اللعين أبو يزيد وأهله وكماته ورجاله وغزاته في قصر أوّلي (٢) بذروة القلعة، وأحاطت الجيوش به من كلّ ناحية، فرميا بالحجارة والرماح ورشقا بالسهام. وأشعلنا النار في أبواب القصر، والكفرة مصرّون على كفرهم وغيّهم. فكتبت لهم في ذلك المقام كتابا منشورا بأمانهم إن هم خرجوا إليّ وأسلموا اللعين، وأردت بذلك الاستظهار بالحجّة عند الله عزّ وجلّ. فأخذوا الكتاب فمزّقوه، فأوّل من [١٩٥ أ] مدّ يده إلى تمزيقه أصابه سهم فمات وصيّر الله روحه إلى عذابه. وتمادوا على إصرارهم، وأمرت بإيقاد المشاعل، وبتّ ليلتي كلّها ساهرها، ورجالنا على خيولهم، وسيوفهم على أعناقهم. فلمّا كان آخر الليل حمل اللعين وأصحابه من الحصن حملة واحدة فاختلط الناس، وقتل في تلك المعركة من الفسقة من قتل

ونجا من نجا. وكان ممّن قتل أبو عمّار اللعين الأعمى، ويدرس المزاتي، وجعفر الناظر (٣) وجماعة منهم، ونجا من نجا منهم متراميا بنفسه من أعلى القلعة [إلى وعر شديد هائل، وأخذنا منهم أسيرا فعرّفني أن اللعين خرج من القلعة] هاربا. فلم أصدّقه (٤)، وأمرت الأولياء بالثبات على مصافّهم وتعبئتهم حول ذلك [القصر. ولم أزل قائما حتّى لاح ضياء الفجر، وإذا اللعين قد] جرح في تلك الحملة فحمله ثلاث [ة من أصحابه حتى] خلّصوه من المعركة ثمّ ولّوا وأسلموه فذهب لينزل من القلعة فسقط، ثمّ قام ليلحق بأصحابه فسقط سقطة أخرى أوهت جسمه فلم يستطع حراكا فبقي ملقى عل ضفّة الوادي، فأتينا به أسيرا بحمد الله ومنّه وصنعه وعونه عند صلاة الفجر يوم الأحد لخمس بقين من المحرّم. ورأيت من سوء حاله وما أصاره الله إليه من الذلّ وأحلّه به من النقمة ما في بعضه شفاء للغيظ. فحمدت الله وشكرته، وأمرت بمداواة اللعين والرفق به إلى أن أصل به إلى المهديّة إن شاء الله.

«فاحمد الله أنت ومن قبلك من رعايانا، وأكثروا معاشر العباد من الشكر، وتقرّبوا إليه بالصدقات وعتق الرقاب من طيّب أموالكم، واذكروا ما كنتم فيه [أمس] وما أصبحتم فيه اليوم من العزّ بعد الذلّة، والأمن بعد الخوف، والطمأنينة بعد الروع، والاجتماع بعد الفرقة، والدعة بعد المحنة. واحمدوا الله على ما وهبكم وصرف عنكم. فقد تحمّلت ما لم يتحمّله ملك قطّ قبلي، لم أرد بذلك من المخلوقين جزاء ولا شكورا إلّا القربة إلى الله عزّ وجل، والزلفى لديه والرغبة في


(١) ما بين مربّعين سقط من المخطوطة، فأخذناه من عيون الأخبار، ٤٤١.
(٢) أوّليّ: أي من آثار الأوّليين كالرومان والوندال.
(٣) في الأصل: الناطق، والتصويب من عيون الأخبار ٤٤٢، وكذلك الإضافات.
(٤) في المخطوط: فلم أصرفهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>