للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

عدوّك ومن خفته على المعصية ممّا قبلك فاقتله، فإنّي قاتل من قبلي. ومن كان عندي ومن ولي لمن هرب عنك، فألمني مكانه، فإنّي أرى أن آخذ السميّ بالسميّ، والوليّ بالوليّ.

فكتب المهلّب إليه: ليس قبلي إلّا مطيع، وإنّ الناس إذا أمنوا العقوبة صغّروا الذنب، وإذا يئسوا من العفو أكفرهم ذلك. فهب لي هؤلاء الذين سمّيتهم عصاة، فإنّهم فرسان أبطال أرجو أن يقتل الله بهم العدوّ، ونادم على ذنبه.

وقال الحجّاج ذات يوم: العجب من هذا المزوني (١) - اسم عمان فارسيّة كانت تسمّيها بها المجوس، ثمّ تسمّت بها الأزد لأنّها دولتهم- يعني المهلّب، أكل الأرض مذ كذا وكذا، ثمّ تربّص بنا وبأمير المؤمنين. اكتب يا غلام!

من الحجّاج بن يوسف إلى المهلّب بن أبي صفرة:

أمّا بعد، فإنّك مزونيّ ابن مزوني، والعجب منك أنّك تربّص بقتال الأزارقة كأنّك ترى أنّك ترث الأرض. لئن لم تعاجل القوم لأبعثنّ إليك من يحملك على مكروهك! والسلام.

وكان المهلّب يروّي الخوارج من منزل إلى منزل، حتّى انتهى إلى إصطخر فقاتلوه قتالا شديدا. وأقام بها ثمانية أشهر. ولمّا أتاه كتاب الحجّاج كتب إليه:

للأمير الحجّاج بن يوسف من المهلّب بن أبي صفرة:

أمّا بعد، فقد جاءني كتابك تذكر أنّي مزوني ابن مزوني. وما أنكر ذلك. وإنّما مزون عمان سمّتها

العجم بهذا الاسم. ولعمر الله إنّي لمزوني ابن مزوني ولا أنكر ذلك. ولكنّ الأمير من قبيلة ادّعت إلى خمس قبائل (٢)، ثمّ والله ما استقرّ قرارها بعد: كانوا بقيّة ثمود، ثمّ انتموا إلى وحاطة من حمير، ثمّ انتموا إلى إياد، ثمّ انتموا إلى عدوان، ثمّ انتموا إلى قيس بن منبّه. فليت شعري في أيّالخمس هي اليوم؟

فلمّا قرأ الحجّاج الكتاب تبسّم وقال: فحشنا على الرجل، ففحش.

ثمّ إنّ الحجّاج استبطأ المهلّب في مناجزة الحروريّة، فدبّ إليه حسدة المهلّب، فكتب إليه:

أمّا بعد، فإنّك أقبلت على جباية المال بغلّة عبيد مرّاق واحتجانه، وأبطأت عن لقاء العدوّ وقتالهم.

وإنّك لتناجزهم أو لأبعثنّ من هو أشدّ منك إقداما.

وقد أرى مكانك عبّاد بن حصين الحبطيّ وفلانا وفلانا، فإنهم إن يولوا يناجزوا القوم. وقد أرى مكان القشيرية ومكان أرضك ودارك بالبصرة، وقد أرى تربّصك في خنادقك وجبنك في لقاء عدوّك شهرا بعد شهر، وسنة بعد سنة. وقد أكثرت التعجّب من تركي إيّاك على عملك، وإنّما أنت رجل من أهل عمان من الأزد، فاخرج من خنادقك، والق عدوّك يوم كذا وكذا، فإنّك إن لم تفعل أسندت الرمح (٣).

فلمّا قرأ المهلّب كتابه دعا ببنيه، فقال: «أمير مسلّط! » ثمّ قال: غلام حدث، ظفر [٣٢٣ ب] بأرامل الحجاز، فظنّ أنّ من بقي مثل من يحاول.


(١) حاشية في الهامش: المزون: اسم عمان، فارسيّة، كان يسمّيها بها المجوس. ثمّ سمّيت بها الأزد لأنّها قراهم (وانظر ياقوت: مزون بالضمّ. وفي معجم ما استعجم:
مزون بالفتح، وقالا: المهلّب بن أبي صفرة يسمّى المزوني).
(٢) حاشية في الهامش: اختلف في ثقيف ابن من هو؟ فقيل:
هو ثقيف بن منبّه بن بكر بن هوازن. وقيل: ثقيف بن النبيت بن منبّه بن منصور بن تقدّم بن أقسى بن دعمى بن إياد بن نزار بن معدّ. وقيل: ثقيف بين ثنايا ثمود، ونسبهم غامض على شرفهم وكثرة مناكحهم قريشا.
(٣) الكامل للمبرّد ١١٢٥: وإلّا أشرعت إليك صدر الرمح.

<<  <  ج: ص:  >  >>