للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وكتب إليه: قد فهمت كتابك. فأمّا تربّصي في خنادقي فهم الذين هزموا فلانا وفلانا، وقتلوا فلانا وفلانا، وإنّما طلبت بالخندق أثرا بلغني عن رسول الله صلّى الله عليه وسلم وطلبت يمنه وبركته.

وذكرت جباية المال، ومن عجز عن المال فهو عن العدوّ أعجز، وللجند مؤونة ولهم في المال قوّة، ولا بدّ لنا ولهم من جبايته. ووجدت مثلي ومثلك كما قال الشاعر [الطويل]:

ومستعجب ممّا يرى من أناتنا ... ولو زابنته الحرب لم يترمرم (١)

وذكرت أنّك قد رأيت مكان القشيريّة وأرضي وداري، وو الله ما بلغ من خطر عجوز من عجائز بني قشير، أو بدرة تنزعها، أو شجرة تقطعها أن أركب غير رأيي أو أخاطر بجندي وخاصّتي من أهل مضر حتّى أرى فرصتي من عدوّي. وإنّ من البلاء أن يكون الرأي لمن يملكه دون من يعلمه.

وقد بلغك ما لقي من كان قبلي، وأنا أعلم بالحرب ومداراتها، والحرب خدعة. وقد رأيت ما لقيت أنت وأبوك يوم الرّبذة حين أتتكم خيل ابن الزبير.

وأمّا تعجّبك من تركك إيّاي على عملي، وأنّي رجل من أهل عمان ثم من الأزد، فصدقت. لعمر الله إنّي لأزدي عمانيّ نعمانيّ، وما أحبّ أنّ لي بموضعي من قومي موضعا، وإنّ شرّا من أهل عمان قبيلة تنازعها قبائل شتّى.

وقولك: إنّي إن لم ألقهم يوم كذا وكذا أسندت إليّ الرمح، فقد ظننت أنّ ما دعاك إلى ذلك ما نلت من الظفر بأهل الحجاز والرعاع الذين لقيت مع ابن الزبير. ولئن فعلت لأقلبنّ عليك الترس والسلام.

فلمّا قرأ الحجّاج الكتاب كتب إلى عبد الملك بن مروان: إنّ المهلّب صاحب خلاف وفتن، وقد نزع يدا من طاعة وفارق الجماعة. ولو شئت أن ينصب لي الحرب دون الأزارقة، فعل.

ولو شاء لناجز القوم، ولكنّه يطاولهم ليأكل بهم الأرض ويستأثر بالفيء.

ثمّ أدرج كتاب المهلّب إليه في داخل كتابه إلى عبد الملك. فلمّا قرأهما عبد الملك أحضر خالد بن عبد الله القسريّ وعبد الله بن عمرو بن عثمان، وأقرأهما الكتابين، وقال: أترى المهلّب فعلها؟

فقال: لا! كذب الحجّاج. ما أبعد المهلّب ممّا نحله! ولكنّ الحجّاج رجل مفسد أخرق لا يزال يعتلّ على أهل الطاعة حتى يفسد طاعتهم ويخرجهم إلى غير [ما] كانوا عليه، وما للمهلّب ذنب. ألا ترى إلى كتاب المهلّب؟ إنّما هو جواب كتاب الحجّاج إليه، وليس بابتداء. فاكتب يا أمير المؤمنين إلى المهلّب كتابا لطيفا، وإلى الحجّاج كتابا غليظا ينهاه عن المهلّب، فإنّ المهلّب لا تتّهم طاعته ولا نصيحته.

فعرف عبد الملك أنّهما نصحاه وصدقاه، فقال: فعل الله بالحجّاج! أراد استفساد المهلّب.

ثمّ كتب إلى الحجّاج: إنّي قد قرأت كتابك إلى المهلّب (٢) وكتابك فيه إليّ، فوجدتك قد حرّفت به، واتّهمت طاعته ونصيحته، وليس كما ذكرت.

فاكتب إليه كتابا ليّنا، فإنّه أعلم بما هو فيك منك، وما استعانك من قوّة أو مدد فأعنه، واعرف له سنّه وشرفه وغناءه عن المسلمين، وأنّه لا سلطان عليه دون أمير المؤمنين، فاعرف ذلك من رأي أمير المؤمنين، وانته إليه!


(١) البيت في اللسان [رمم] منسوب إلى أوس بن حجر، وفي المخطوط: ومستعجل ممّا يرى في أنانتا. وهو كذلك في الكامل للمبرّد ١١٤٣ منسوب إلى أوس.
(٢) هكذا في المخطوط، والصواب: كتاب المهلّب إليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>