مقدّمة محمّد بن سليمان، من الفرما بعسكر يريد جرجير حتّى نزل العبّاسة. فتلقّاه جميع الرؤساء بعساكرهم. وبلغ محمّد بن سليمان مقتل هارون، فجدّ في السير إلى أن نزل العبّاسة، فدخل طغج في طاعته. ونزل دميانة بمراكبه على ساحل الفسطاط سلخ صفر سنة اثنتين وتسعين، وعدّتها ثمانية عشر مركبا حربيّة مشحنة بالرجال والسلاح الشاكّ، فأحرق جسر الفسطاط الشرقيّ عن آخره وبعض الجسر الغربيّ. وعسكر شيبان مستهلّ ربيع الأوّل بعين شمس، فوافى محمّد بن سليمان بعساكره وعساكر مصر، فلحق به عامّة أصحاب شيبان، فلم يجد شيبان بدّا من طلب الأمان، فأمّنه محمّد بن سليمان، فسار ودخل عليه في ليلة الخميس. فسار حتّى نزل خارج الفسطاط، وأصبح يوم الخميس مستهلّ ربيع الأوّل فأحرق القطائع ونهبها أصحابه، وأسروا من فيها وأتوا به محمّد بن سليمان، وهو راكب على فرسه في مصافّه، فما أتى له بأحد إلّا وأمر بذبحه فيذبح بين يديه كما تذبح الشاة. وحملت رجّالته وفرسانه على الناس حملة واحدة هزمتهم وقتلتهم.
ودخل بعساكره مدينة مصر بغير ممانع فطاف ومعه محمّد بن أبا وجماعة جند المصريّين بين الرجّالة والفرسان إلّا من هرب. وكان كلّ من أخذ من الرجّالة أمر به فضربت عنقه. وأحرق قطائع السودان التي كانت حول الميدان، وقتل من كان فيها، وهم خلق كثير، حتّى صارت يبابا. وانبثّتالخراسانيّة في المدينة، وكسروا الحبوس وأخرجوا من فيها وهجموا دور الناس، فنهبوها واستباحوا حريمها وهتكوا الرعيّة وافتضّوا الأبكار وأسروا المماليك [٢٦٦ ب] والأحرار من الرجال والنساء، وارتكبوا من العظائم أمرا فظيعا، وأخرجوا الناس من دورهم وسكنوها وفعلوا من القبائح ما لا يفعل في مدائن الكفر مثله. ونصبت مضارب محمد بن سليمان على حافّة النيل من المقس إلى ساحل الفسطاط وأمر بالأسرى من المصريّين الذين أخذهم دميانة بناحية دمياط، فشهّروا بالقلانس الطّوال على الجمال وقد ألبسهم الثياب المشهّرة. وصرف موسى بن طونيق عن الشرطة وولّى عوضه رجلا من أصحابه يقال له وصيف البكتمريّ. وصرف أبا زرعة محمّد بن عثمان عن القضاء وردّه إلى محمّد بن عبدة بن حرب. وبعث بطغج بن جفّ واليا على قنسرين وضمّ إليه جمعا من جند بني طولون. ثمّ أخرج الأعراب الذين قدموا معه، وقبض على جماعة من الناس من الكتّاب وغيرهم فأعنتهم وأغرمهم الأموال الجليلة بالتهديد والوعيد وأنواع العذاب الشديد. وأخذ من محمّد بن أبا خمسمائة ألف دينار. وصالح بعض الكتّاب من النصارى على خمسين بدرة، وهو في سجنه، فبعث إلى أخيه رقعة بحمل ذلك فحملها بزائد بدرة. فلمّا جيء بها إلى محمّد بن سليمان قال: مال يغلط فيه بزائد بدرة إنّه لكثير! - فأخذ منه تتمّة مائة بدرة.
وأخرج أولاد بني طولون، وهم عشرون إنسانا، وأخرج بدرا الحمّاميّ واليا على دمشق، وأخرج قوّاد بني طولون شيئا بعد شيء حتّى لم يدع بمصر منهم من له ذكر، فخلت منهم الديار، وعفت منهم الآثار. وجعل أبا عليّ الحسين بن أحمد الماذرائيّ على الخراج عوضا عن أحمد بن عليّ بن أحمد الماذرائيّ، فورد كتاب المكتفي بولاية الحسين بن أحمد على الخراج، وجعل إليه النظر في أمور بني طولون.
وبعث محمّد بن سليمان بعيسى النوشريّ أحد القوّاد الذين معه إلى بغداد، فلمّا كان بالشام ورد عليه كتاب الولاية بمصر، فعاد في رابع عشر