للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

قالت: معاذ الله أيّها الأمير! أنت أجود جودا، وأمجد مجدا، وأورى زندا من أن تجعلها غنما.

قال: فما هي ويحك؟

قالت: مائة ناقة برعائها.

فأمر لها بها، ثمّ قال: أيّ نسائي أحبّ إليك أن أنزلك عندها الليلة؟

قالت: ومن نساؤك أيّها الأمير؟

قال: أمّ الجلاس (١) بنت سعيد بن العاص الأمويّة [٣٣٦ ب] وهند بنت أسماء بن خارجة الفزاريّة، وهند بنت المهلّب بن أبي صفرة العتكيّة.

فقالت: القيسيّة أحبّ إليّ- أرادت الفزاريّة لأنّ فزارة من قيس عيلان-[فدخلت عليها فصبّت حليها عليها حتّى أثقلتها لاختيارها إيّاها ودخولهاعليها دون من سواها] (٢).

وذكر المدائنيّ أنّ الحجّاج لم يكن يظهر منه لجلسائه بشاشة ولا سماحة في الخلق إلّا في يوم دخلت عليه ليلى الأخيليّة، فقال لها: بلغني أنّك مررت بقبر توبة بن الحمير فعدلت عنه. فو الله ما وفيت له، ولو كان هو بمكانك ما عدل عنك.

قالت: أصلح الله الأمير، إنّ لي عذرا.

قال: وما عذرك؟

قالت: إنّي سمعته يقول: ولو أنّ ليلى الأخيليّة ... وكان معي نسوة قد سمعن قوله فكرهت أن أكذّبه.

فاستحسن الحجّاج قولها وقضى حوائجها

وانبسط في محادثتها، فلم نر منه بشاشة وأريحيّة داخلته مثل ذلك اليوم.

*** ويروى عن بعض الفقهاء قال (٣): دعاني الحجّاج فسألني عن الفريضة المخمّسة، وهي:

أمّ، وجدّ، وأخت. فقال لي: ما قال فيها الصدّيق رضي الله عنه؟

قلت: أعطى الأمّ الثلث، والجدّ ما بقي لأنّه كان يراه أبا.

قال: فما قال أمير المؤمنين- يعني عثمان رضي الله عنه؟

قلت: جعل المال بينهم ثلاثا.

قال: فما قال ابن مسعود رضي الله عنه؟

قلت (٤): أعطى الأخت النصف، والأمّ ثلث ما بقي، والجدّ الثلث لأنّه كان لا يفضّل أبا على جدّ.

قال: فما قال فيها زيد بن ثابت؟

قلت: أعطى الأمّ الثلث، وجعل ما بقي بين الأخت والجدّ للذكر مثل حظ الأنثيين لأنه كان يجعل الجد كأحد الإخوة.

(قال): فزمّ أنفه ثمّ قال: فما قال فيها أبو تراب؟

قلت: أعطى الأمّ الثلث، والأخت النصف، والجدّ السدس.

فأطرق ساعة ثمّ رفع رأسه، فقال: فإنّه امرؤ يرغب عن قوله (٥).

وجلس الحجّاج يوما يأكل في جماعة، منهم


(١) حاشية في الهامش: أمّ الجلاس هي بنت سعيد بن عبد الرحمن ... الأمويّ، والجلاس مخفّف.
(٢) ليلى الأخيليّة من عامر بن صعصعة، والإضافة من مروج الذهب ٣/ ٣٧٨. وانظر العقد ١/ ٣٢٢.
(٣) هذه الفريضة في العقد ٥/ ٣٣، مع اختلاف، فأحد الخمسة هو ابن عبّاس عوض أبي بكر.
(٤) في العقد: جعلها من ستّة فأعطى الجدّ ثلاثة، والأم اثنين والأخت سهما.
(٥) حاشية في الهامش: قبّح الله الحجّاج! بل عليّ امرؤ يرغب في قوله!

<<  <  ج: ص:  >  >>