القوم أحد إلّا قال فيه، وعمر بن عبد العزيز ساكت. فقال سليمان: يا أبا حفص، ما لك لا تتكلّم؟
فقال: ما عسيت أن أقول؟ لو خابثنا الأمم بالحجّاج لغلبناهم.
وقال عمر مرّة: الوليد بالشام، والحجّاج بالعراق، ومحمد بن يوسف باليمن، وعثمان بن حيّان بالحجاز، وقرّة بن شريك بمصر: امتلأت الأرض والله جورا!
وجلس عمر ببيت المقدس، فجعل عبد الله بن قيس يقع في الحجّاج، فجعل عمر يقول: «إيه، ابن قيس؟ » يكرّرها، كأنّه يعزّيه به.
وقال: وددت أنّي وجدت رجلا يعنيه أمر الحجّاج أخاصمه فيه، فإن كان محقّا تبعته، وإن كنت محقّا تبعني. والله ما كان الحجّاج يصلح لدنيا ولا آخرة! وكان عمر بن الخطّاب رضي الله عنه جبى العراق ثمانين ألف ألف وما جبى الحجّاج إلّا أربعين ألف ألف. ولئن أبقاني الله لا أنتهي حتّى أجبيه ثمانين ألف ألف.
وقال أبو عاصم النبيل: حدّثنا عبّاد بن كثير عن قحذم: جبى عمر العراق مائة وسبعة أو ثمانية وعشرين ألف ألف. وجباها عمر بن عبد العزيز مائة وأربعة وعشرين ألف ألف. وجباها الحجّاج ثمانية عشر ألف ألف.
وقال عبّاد عن قحذم: أطلق سليمان بن عبد الملك في غزاة واحدة ثمانين ألف أسير، وكتب أن يثبتوا ويلحقوا بأهاليهم.
وقال صالح بن عبد الرحمن: عرضنا السجون بعد الحجّاج فوجدنا فيها ثلاثة وثلاثين ألفا لم يحلّ على أحد منهم قطع ولا صلب.
ووجد أعرابيّ يبول في ربض مدينة واسط، فأخذ وحبس حتى مات الحجّاج، فأطلق فقال [الطويل]:
إذا ما تجاوزنا مدينة واسط ... خرينا وصلّينا بغير حساب (١)
وتعبّث الحجّاج بقيس بن الهيثم السلميّ بالبصرة، وضربه بالسّياط، فكتب قيس إلى القيسيّة بالشام، فدخلوا على عبد الملك فقالوا له: إنّ الحجّاج قد تعبّث بسيّدنا بالبصرة، فضربه في غير ذنب.
فكتب إلى الحجّاج يلومه، وكتب إلى قيس:
إن أحببت المقام بالبصرة فأقم، ولا سلطان للحجّاج عليك. وإن أحببت اللحاق بأمير المؤمنين فالحق.
فقال: لا أقيم ببلد الحجّاج فيه سلطان.
فلحق بعبد الملك، وكان من سمّاره. فذكر عبد الملك الحجّاج ليلة فأثنى عليه فسكت قيس، فقال له: ما لك لا تتكلّم؟
قال: قد قال أمير المؤمنين.
قال: قل!
قال: والله يا أمير المؤمنين، لو أتتنا أمة ورهاء فرفدتها بما رفدت به الحجّاج لضبطت ما ضبط:
قدم علينا زياد على راحلته فضبط العراق بأهل العراق، وترك أهل الشام لثغورهم فلم يأتنا منهم برجل، ثمّ أتانا ابنه من بعده غلاما حدثا فضبط العراق بأهل العراق وترك أهل الشام لثغورهم.
وأتانا الحجّاج فلم يزل بخرقه وضعف منّته حتى أخرب البلاد وأخاف الناس، وكتب إليك يستنصرك فأمددته بأهل الشام وعطّلت الثغور. فلوأمددت أمة ورهاء بما أمددته به لضبطت ما ضبط.
(١) في العقد ٣/ ٤٨٢) ... وبلنا لا نخاف عقابا.