للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وعشرين وسبعمائة. فأحبّه السلطان محبّة زائدة لشغفه بأمّه ولجماله، وعقد له على [ ... ] ابنة الأمير بكتمر السّاقي، وقد حمل مهرها من بيت المال، وهو عشرة آلاف دينار مصريّة. وحمل معه مائتان وخمسون ثوبا من التفاصيل الحرير (١)، ومائتا نافجة (٢) مسك، وألف مثقال عنبر خام، ومائة شمعة موكبيّة، وثلاثة أرؤس من الخيل مسرّجة ملجّمة. فتوجّه بذلك كريم الدين الكبير ناظر الخاصّ، والأمير طقتمر الخزندار، والأمير آي دغمش أمير أخور في يوم السبت النصف من شهر رمضان سنة إحدى وثلاثين، وهم بتشاريف جليلة. ثم أنعم عليه بإمرة مائة تقدمة ألف في يوم الاثنين ثالث عشرين صفر سنة اثنتين وثلاثين، وأركبه من باب الدار، فمضى، والأمراء في خدمته حتى خرج من باب القلعة الذي يعرف بباب القرافة، ودار على سور القلعة إلى أن خرج من عند باب القلعة الكبير، وعلى رأسه الشربوش (٣).

وصعد منه إلى القلعة فنثرت عليه الدنانير والدراهم وخلع على أرباب الوظائف، ومدّ لهم سماط جليل، وعملت الأفراح مدّة أيّام.

ثم وقع الشروع في عمل الأفراح العظيمة لدخوله على زوجته. واستخدم في ديوانه شرف الدين عبد الوهاب النشو أحد المستوفين، وجعل الأمير الطنفش أستاداره. فحمل رنك (٤) جدّه المنصور، وتميّز على جميع إخوته مع صغر سنّه، لأنّه ليس فيهم من معه إمرة مائة سواه، وبقيّتهم

إنّما هم أمراء أربعين.

وقدم الأمير تنكز نائب الشام لحضور المهمّ فأقام الفرح سبعة أيّام بلياليها. ولم يبق أمير إلّا وبعث حريمه بالذهب وتفاصيل الحرير لنقوط المغاني (٥).

فلمّا كانت ليلة السابع، وهي ليلة الجمعة حادي عشر شعبان منها، جلس السلطان على باب القصر وجلس مقابله أنوك، وتقدّم الأمراء على مراتبهم بإحضار شموعهم: فمن قدّم شمعة قبّل الأرض للسلطان ثم قبّلها للأمير أنوك- ثم أعفوا عن تقبيل الأرض لأنوك- فبلغت عدّتها زيادة على ثلاثة آلاف شمعة زنتها ألف قنطار ونيف، ما فيها شمعة أمير إلّا وقد بالغ في جودتها وثقل وزنها وتحسينها بأنواع الزينة.

ثم أشعلت بأسرها، وحملها الأمراء ومماليكهم ومشوا على حسب مراتبهم حتى مضى آخرهم.

ونصب الأمير قوصون صاريين عليهما نفط غرم عليه مبلغ ثلاثين ألف درهم. وأطعم الناس بالإيوان.

فلمّا انقضى عامّة الليل دخل السلطان إلى حيث مجتمع النساء، فتقدّمته كلّ واحدة من نساء الأمراء وقبّلت الأرض وقدّمت ما أحضرته من التقدمة، والمغاني تزفهنّ. وكان [٢٣١ ب] المهمّ عظيما جدّا، ذبح فيه من الغنم والبقر والخيل والإوزّ والدجاج ما ينيف على عشرين ألف حيوان، واستعمل فيه من السكّر ثمانية عشر ألف قنطار، وبلغت قيمة شورة (٦) العروس ألف ألف دينار مصرية حمل على ثمانمائة حمّال، وستّة وثلاثين قطارا (٧) من البغال سوى الحلي والمصاغ


(١) التفصيلة: قطعة من القماش، وكذلك الثوب المفصّل المخيط.
(٢) النافجة: كيس للعطور، «والمسك النفاجي» أجود (دوزي).
(٣) الشربوش: قبّعة للرأس عالية مثلّثة، وهي خاصّة بالأمراء (دوزي).
(٤) الرنك: الشعار.
(٥) النقوط: ما ينشر على القيان من دراهم.
(٦) الشورة والشوار: ما تجهّز به العروس.
(٧) قطار الإبل وغيرها: جمعها المتتابع في السير.

<<  <  ج: ص:  >  >>