للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فبناها وجعلها دار ملكه وحصّنها بالسور العجيب وأبواب (١) الحديد المصمت المحكم، وجعل في كلّ مصراع مائة قنطار. وهما بابان بأربعة مصارع لكلّ باب دهليز يسع خمسمائة فارس. وكان ابتداء بنائها يوم السبت الخامس من ذي القعدة سنة ثلاث وثلاثمائة. وكان أوّل ما ابتدأ به من سورها ما على الجانب الغربي الذي فيه أبوابها. فلمّا مدّ الحائط على أساس السور ووضع أوّل حجر منه، أمر المهديّ راميا بالقوس أن يرمي سهما من حدّ الحجر الذي في أساس السور إلى ناحية الغرب، فرمى الرامي سهمه فانتهى إلى الموضع الذي عمل فيه المصلّى، ووقع السهم قائما على نصله، فقال المهديّ: «إلى هذا السهم يصل صاحب الحمار»، يعني أبا يزيد الخارجيّ.

فخرج على الدولة وكذا كان، كما سيرد خبره إن شاء الله في ترجمة أبي القاسم محمد بن المهديّ إن شاء الله (٢). ثم أمر المهديّ أن تقاس مساحة موضع الرميّة بالذارع فبلغ مائتي ذراع وثلاثة وثلاثين ذراعا، فقال المهدي: هذا عدد ما تقيم المهديّة في أيدينا من السنين، فكان كذلك (٣).

وأمّا الأبواب الحديد فإنّها عملت صفائح مفرغة بثلاث طبقات وطرقت بالمسامير فبقيت تتحرّك، فقال المهديّ: ما عندكم في هذا؟

فقالوا: لا ندري.

فأمر بالحطب الكثير فجعل فوقها وتحتها وأطلقت النيران العظيمة وطرقت المسامير فصارت الأبواب قطعة واحدة، ولمّا ركّبت صعب فتحها وإغلاقها، ولم يكن يغلق الباب الواحد إلّا

جماعة من الرجال [٢٢٢ ب] فأمر المهديّ أن يجعل خرزها زجاجا فدار الباب في الوقت وسهل فتحه وغلقه وصار الرجل الواحد يفتحه ويغلقه. ثم قال: كم يكون وزن كلّ باب؟

فقال القوم: هذا لا يعلمه إلّا الله إذ ليس في الأرض ميزان يحمل بعضه.

فأمر بمصراع منه فحمل على الصواري حتى ألقي على ظهر مركب في الماء إلى حدّ بعينه، وعلّم ما نزل من المركب في الماء، ثمّ أنزل المصراع وجعل في المركب من الصخر والحجر حتى بلغ الماء إلى الحدّ الذي علّم فيه، ثم وزن جميع ما وضع في المركب من الصخر والحجارة، فعلم ما فيه من رطل، فجاءت زنة الأربعة مصار [ي] ع أربعمائة قنطار.

ثم أمر أن تقطع في داخل المدينة صناعة تنقر في الجبل تحمل مائتي شيني (١*) وعليها باب.

ثم نقروا في أرضها أيضا أهراء برسم الغلال في الحجر الصلب تسع من الطعام ما لا يحصى، ودمسها. وبنى قصورا عالية، وجعل فيها من المصانع للماء ما لا يحصى وختم عليها وأمر بحفظها. فلمّا فرغ من بناء السور والقصور والدور قال: اليوم أمنت على الفاطميّات، يعني بناته.

وارتحل إليها في شهر صفر سنة ثمان وثلاثمائة، وكان طالعها برج الأسد. ولمّا رأى المهديّ إعجاب الناس بالمهديّة وبحصانتها قال:

هذه بنيتها لتعتصم بها الفواطم ساعة من نهار.

وكذلك كان، لأنّ أبا يزيد وصل إلى موضع السهم ووقف فيه ساعة ولم يظفر.


(١) والأبواب في المخطوط.
(٢) هو القائم. انظر ترجمته في المقفّى رقم ٢٦٤١.
(٣) لم يتوقّع صاحب التنبّؤ خروج بني زيري عن الولاء الفاطميّ.
(١*) الشونة والشيني: مركب للجهاد في البحر. والصناعة قبله تعني الترس خانه.

<<  <  ج: ص:  >  >>