للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

فأخذها، وعاد الحجّاج إلى القصر، وأمر به فأحضر، فسلّم فقال له: ممّن الرجل؟

قال: من بني شيبان.

قال: فما اسمك؟

قال: سمرة بن الجعد (١).

فقال: يا سمرة، هل قرأت القرآن؟

قال: قد جمعته في صدري، فإن عملت به فقد حفظته. وإن لم أعمل به فقد ضيّعته.

قال: هل تفرض؟

قال: إنّي لأفرض الصلب وأعرف (٢) الاختلاف في الجدّ.

قال: أتبصر الفقه؟

قال: إنّي لأبصر ما أقوّم به أهلي وأرشد به ذا العمى من قومي.

قال: هل تعرف النجوم؟

قال: إنّي لأعرف منازل القمر، وما أهتدي به في السفر.

قال: فهل تروي الشعر؟

قال: إنّي لأروي المثل، والشاهد.

قال: أمّا المثل فقد عرفناه، فما الشاهد؟

قال: اليوم يكون للعرب من أيّامها عليه (٣) شاهد من الشعر، فأنا أروي ذلك الشعر.

فاتّخذه سميرا، فلم يكن يطلب شيئا إلّا وجده عنده أو وجد عنده منه علما. وكان سمرة من قعد [ة] الأزارقة والخوارج. فكتب إليه قطريّ بن الفجاءة وهو بإزاء الحجّاج بجيرفت يعيّره بمقامه

عند الحجّاج وركونه إلى الدنيا، وكتب إليه هذه الأبيات [الطويل]:

[ل] شتّان ما بين ابن جعد وبيننا ... إذا نحن رحنا في الحديد المظاهر

وراح يجرّ الخزّ نحو أميره ... أمير بتقوى ربّه غير آمر

نجالد فرسان المهلّب، كلّنا ... صبور على وقع السيوف البواتر

أبا الجعد، أين الحلم والعلم والنّهى ... وميراث آباء كرام العناصر؟

٥ ألم تر أنّ الموت لا شكّ نازل ... ولا بدّ من بعث الألى في المقابر؟

حفاة عراة والثواب لديهم ... فمن بين ذي ربح وآخر خاسر

فإنّ الذي قد نلت يفنى، وإنّما ... مقامك في الدنيا كوقعة طائر

فراجع أبا جعد ولا تك مغضيا ... على ظلمة أعشت عيون النواظر

وتب توبة تهدي إليك شهادة ... فإنّك ذو دين ولست بكافر

١٠ وسر نحونا تلق الجهاد غنيمة ... تفدك ابتياعا رابحا غير بائر

هي الغاية القصوى الرغيب نوالها ... إذا نال في الدنيا الغنى كلّ تاجر (٤)

فلحق سمرة بقطريّ، وطلبه الحجّاج فلم يقدر عليه. وبينا هو ذات يوم إذ قدم عليه كتاب قطريّ، وفي أسفله [الطويل] (٥):


(١) في مروج الذهب ٣/ ٣٤٤: سبره والصواب على الأرجح: سيرة كما في شعر الخوارج لإحسان عبّاس ص ١٢٢ وما يليها.
(٢) في المخطوط: وأنصر.
(٣) في المخطوط: ليس عليه شاهد، والإصلاح من مروج الذهب ٣/ ٣٤٤.
(٤) الأبيات في مروج الذهب ٣/ ٣٤٤، ومنه الزيادة والتصويب. وانظر كذلك إحسان عبّاس شعر الخوارج ص ١٢٠.
(٥) انظر إحسان عبّاس: شعر الخوارج ص ١٢٢ - ١٢٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>