عن هذا هؤلاء المساكين، أغنياء في الدنيا فقراء في الآخرة، أعزّة في الدنيا أذلّة يوم القيامة. لا تغتمّ ولا تحزن، فرزق الله مضمون سيأتيك. نحن والله الملوك الأغنياء، نحن الذين تعجّلوا الراحة في الدنيا والآخرة، لا نبالي على أيّ حال أصبحنا وأمسينا إذا أطعنا الله.
ثمّ قام إلى صلاته وقمت إلى صلاتي. فما لبثنا إلّا ساعة وإذا نحن برجل قد جاءنا بثمانية أرغفة وتمر كثير فوضعه بين أيدينا وقال: كلوا رحمكم الله!
فسلّم، ثمّ قال: كل يا معنّى!
فدخل سائل فقال: أطعمونا شيئا.
فأخذ ثلاثة أرغفة مع تمر فدفعها إليه، وأعطاني ثلاثة وأكل رغيفين، وقال: المواساة من [١٣ ب] أخلاق المؤمنين.
وقال عليّ بن بكّار: كان الحصاد أحبّ إلى إبراهيم بن أدهم من اللقاط. وكان سليمان الخوّاص لا يرى بأسا باللقاط ويلقط. وكانت أسنانهما قريبة، وكان إبراهيم أفقه، وكان من العرب من بني عجل كريم الحسب. وكان إذا عمل ارتجز وقال:
اتّخذ الله صاحبا ... ودع الناس جانبا (١)
وكان يلبس في الشتاء فروا ليس تحته قميص، ولم يكن يلبس خفّين ولا عمامة، وفي الصيف [يلبس] شقّتين بأربعة دراهم يتّزر بواحدة ويرتدي بالأخرى، ويصوم في السفر والحضر ولا ينام الليل.
وكان يتفكّر، فإذا فرغ من الحصاد أرسل بعض
أصحابه يحاسب صاحب الزرع ويجيء بالدراهم، فلا يمسّها بيده ويقول لأصحابه: اذهبوا، كلوا بها شهواتكم.
فإن لم يكن حصاد أجر نفسه في حفظ البساتين والمزارع. وكان يطحن بيد واحدة مدّي قمح- أي قفيزين. ويقول: لا ينبغي للرّجل أن يرفع نفسه فوق قدره، ولا أن يضع نفسه دون درجته.
ودعاه الأوزاعيّ إلى طعام فقصّر في الأكل.
فقال له الأوزاعيّ: رأيتك قصّرت في الأكل؟
قال: لأنّك قصّرت في الطعام.
وهيّأ مرّة طعاما ووسّع فيه ودعا الأوزاعيّ، فقال له: أما تخاف أن يكون سرفا؟
فقال إبراهيم: إنما السرف ما ينفقه الرجل في معصية الله. فأمّا ما أنفقه على إخوانه، فهو من الدين.
ومرّ به رجل من الصّنّاع، فقال: أليس هذا فلانا؟
فقيل: نعم.
فقال لرجل: أدركه وقل له: قال [لك] إبراهيم بن أدهم: ما لك لم تسلّم؟
قال: لا والله! إلّا أنّ امرأتي وضعت الليلة وليس عندي شيء، فخرجت شبيه المجنون.
فرجع إلى إبراهيم فقال له. فقال: إنّا لله! كيف غفلنا عن صاحبنا حتّى نزل به هذا الأمر؟ يا فلان، ائت فلانا صاحب البستان فاستسلف منه دينارين، فاشتر له ما يصلحه بدينار وادفع الدينار الآخر إليه.
(قال) فدخلت السوق فأوقرت بعيرا بدينار من كلّ شيء وتوجّهت إليه فدققت الباب. فقالت امرأته: من هذا؟
(١) هذا البيت لعله من المجتثّ.