قال: فالكتاب؟
قلت: مترب.
قال: هذه أحسن من الأولى.
فكتب لي بخمسين ألف درهم. ثمّ أمر الخادم أن يوصله إلى الفضل بن سهل، فمضيت معه.
فلمّا قرأ الكتاب قال: يا نضر، لحّنت أمير المؤمنين!
قلت: كلّا، ولكن هشيم لحّانة.
فأمر لي بثلاثين ألفا. فخرجت إلى منزلي بثمانين ألفا.
*** وقال لي الفضل: يا نضر، حدّثني عن الخليل ابن أحمد.
قلت: حدّثني الخليل بن أحمد قال: [١٣٠ أ] أتيت أبا ربيعة الأعرابيّ، وكان من أعلم من رأيت، وكان على سطح. فلمّا رأيناه أشرنا إليه بالسلام، فقال: «استووا! » فلم ندر ما قال. فقال لنا شيخ عنده: يقول لكم: «ارتفعوا» (فقال الخليل: ) من قول الله عزّ وجلّ: ثُمَّ اسْتَوى إِلَى السَّماءِ وَهِيَ دُخانٌ [فصّلت: ١١]. ثم قال: هل لكم في خبز فطير، ولبن هجير، وماء نمير؟
فلمّا فارقناه قال: سلاما.
قلنا: فسّر قولك هذا.
فقال: متاركة لا خير ولا شرّ. (فقال الخليل: ) هذا مثل قول الله عزّ وجلّ: وَإِذا خاطَبَهُمُ الْجاهِلُونَ قالُوا سَلاماً [الفرقان: ٦٣]، أيّ:
متاركة.
*** وقال محمد بن زياد الأعرابيّ: بعث إليّ المأمون فصرت إليه وهو في بستان يمشي مع يحيى بن أكثم، فرأيتهما مولّيين فجلست فلمّا أقبلا قمت فسلّمت عليه بالخلافة. فسمعته يقول ليحيى: «يا أبا محمّد، ما أحسن أدبه! رآنا مولّيين فجلس، ثم رآنا مقبلين فقام». ثم ردّ عليّ السلام وقال: يا أبا محمّد، أخبرني عن أحسن ما قيل في الشراب.
قلت: يا أمير المؤمنين، قوله [الطويل]:
تريك القذى من دونها وهي دونه ... إذا ذاقها من ذاقها يتمطّق
فقال: أشعر منه الذي يقول- يعني أبا نواس [الرمل]:
فتمشّت في مفاصلهم ... كتمشّي البرء في السقم
فعلت في البيت إذ مزجت ... مثل فعل الصبح في الظلم
واهتدى ساري الظلام بها ... كاهتداء السّفر بالعلم
فقلت: فائدة يا أمير المؤمنين!
فقال: أخبرني عن قول هند بنت عتبة [الرجز]:
نحن بنات طارق ... نمشي على النمارق
من طارق هذا؟
فنظرت في نسبها فلم أجده. فقلت: يا أمير المؤمنين، ما أعرف في نسبها طارقا.
فقال: إنّما أرادت النجم، وانتسبت إليه لحسنها، من قول الله تعالى: وَالسَّماءِ وَالطَّارِقِ [الطارق: ١].
فقلت: فائدتان، يا أمير المؤمنين.
فقال: «أنا بؤبؤ هذا الأمر وابن بؤبؤه! » ثمّ رمى