للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
رقم الحديث:

وقال ضمرة بن ربيعة: سمعت إبراهيم بن أدهم يقول: أخاف أن لا يكون لي أجر في تركي أطايب الطعام، لأنّي لا أشتهيه- وكان إذا جلس على سفرة فيها طعام طيّب رمى بما وقع بين يديه إلى أصحابه وأكل هو الخبز والزيتون.

وقال أبو حفص العسقلانيّ: شهدت إبراهيم ابن أدهم، فدعاه رجل من أصحابه قد تزوّج.

فجلس بيني وبينه رجل. ثمّ أتينا بقصعة ثريد ولحم. فرأيت إبراهيم يأكل الثريد ولا يأكل اللحم- بلغني أنّه كان يفعل هذا إذا كان في الطعام قلّة، يبقي على أصحابه.

وقال لإبراهيم بن أدهم: تريد تدعو؟ كل الحلال وادع بما شئت!

وقال لإبراهيم السائح: يا أبا إسحاق، اعبد الله سرّا حتّى تخرج على الناس يوم القيامة كمينا (١).

وقال حذيفة المرعشيّ: قدم شقيق البلخي مكّة، وإبراهيم بن أدهم بمكّة. فاجتمع الناس فقالوا: نجمع بينهما. فجمعوا بينهما في المسجد الحرام. فقال إبراهيم لشقيق: يا شقيق، على م أصّلتم أصولكم؟

فقال: إنّا أصّلنا أصولنا على أنّا إذا رزقنا أكلنا، وإذا منعنا صبرنا.

فقال إبراهيم: هكذا كلاب بلخ: إذا رزقت أكلت، وإذا منعت صبرت.

فقال شقيق: على م أصّلتم أصولكم يا أبا إسحاق؟

قال: أصّلنا أصولنا على أنّا إذا رزقنا آثرنا، وإذا منعنا حمدنا وشكرنا.

فقام شقيق، وجلس بين يديه وقال: أنت أستاذنا.

وقال إبراهيم بن بشّار: قلت لإبراهيم بن أدهم: أمرّ اليوم أعمل في الطين.

فقال: يا ابن بشّار، إنّك طالب ومطلوب، يطلبك من لا تفوته وتطلب ما قد كفيته، كأنّك بما غاب [عنك] قد كشف لك، وما قد كنت فيه قد نقلت عنه. يا ابن بشار، كأنك لم تر حريصا محروما، ولا ذا فاقة مرزوقا.

ثمّ قال: ما لك حيلة؟

فقلت: لي عند البقّال دانق.

قال: عزّ عليّ بك: تملك دانقا، وتطلب العمل؟

وسمعته يقول: قلّة الحرص والطمع تورث الصدق والورع. وكثرة الحرص والطمع تكثر الهمّ والجزع.

وقال: إنّ الناس يريدون منّا أن نقبل منهم. ولو قبلنا منهم الأقلّ ما أعطونا، ولأسرع ما ملّونا.

وقال له رجل: إنّي أريد أن أواسيك من مالي.

قال: وكم تملك؟

قال: مائة ألف.

قال: وأنت في طلب غيره؟

قال: نعم.

قال: لا حاجة لي إلى ذلك. أنت فقير، إنّا لم نؤمر أن نأخذ من الفقراء شيئا.

وقال له رجل: أحبّ أن تقبل منّي هذه الجبّة كسوة فتلبسها.

قال: إن كنت غنيّا قبلتها منك، وإن كنت فقيرا لم أقبلها منك.


(١) كمين: على وزن أمير، وهو الدّاخل في الأمر لا يفطن له.
وكذلك الكمين في الحرب، والمعنى هنا: لا تتظاهر بالتعبّد وأكتمه تواضعا.

<<  <  ج: ص:  >  >>