بني هاشم، عودوا إلى نخلاتكم ... فقد عاد سعر التمر صاعا بدرهم
فإن قلتم: رهط النبيّ محمد ... فإنّ النصارى رهط عيسى بن مريم
فطلب فهرب ولم يظهر حتى مات.
ورفع عبد الله بن عيّاش المنتوف إلى أبي العبّاس حوائج، وكان فيها أن يجزّ لحية علي بن صفوان ليشوّه به، وكان طويل اللحية. فلمّا دخل أبوالعبّاس المقصورة وصعد المنبر رأى ابن عيّاش وابن صفوان قبالته ورأى طول لحية ابن صفوان، فاستضحك فوضع كمّه على وجهه. فلمّا انصرف قال لابن عيّاش: ويلك! كدت تفضحني.
فقال: والله ما أردت إلّا أن تذكر حاجتي!
وقال الهيثم بن عديّ عن ابن عيّاش: ابتدأ أبو العبّاس آل أبي طالب بالبرّ والكرامة، فكان ذلك لا يزيدهم إلّا التواء عليه. وكان عبد الله بن حسن بن حسن أشدّهم له حسدا وأقلّهم له شكرا. فقال أبو العبّاس يوما: لقد صدق معاوية حين قال: «ما أحد من الناس إلّا وأنا أستطيع إرضاءه إلّا حاسد نعمة لا يرضيه عنّي إلّا زوال نعمتي، فلا أرضاه الله عنّي أبدا». وهؤلاء بنو أبي طالب قد وصلت أرحامهم فأحسنت برّهم يأبون بحسدهم وسوء نيّاتهم إلّا القطيعة. وإنّي أتخوّف أن يعود حلمي عليهم بما يكرهون في عواقب الأمور. والله المستعان.
ويقال: أقدم أبو العبّاس عبد الله بن حسن عليه فبرّه وأكرمه وأعطاه ألف ألف درهم. فلمّا انصرف إلى المدينة أتاه أهلها مسلّمين عليه، وجعلوا يدعون لأبي العبّاس لبرّه وإجزاله صلته فقال عبد الله: يا قوم، ما رأيت أحمق منكم! تشكرون رجلا أعطانا بعض حقّنا، وترك أكثره!
فبلغ ذلك أبا العبّاس فدعا إخوته وأهل بيته، وجعل يعجّبهم من قول عبد الله. فقالوا: يا أمير المؤمنين، إنّما تتمّ إحسانك إليه وإنعامك عليه بالصفح عنه- إلّا أخوه أبو جعفر فإنّه تكلّم فيه بكلام شديد [٨٠ أ] وقال: إنّ الحديد بالحديد يفلج!
فقال أبو العبّاس: يا أبا جعفر، من تشدّد انفرد، ومن لان تألّف، والجاهل تكفيكه مساوئه.
وقال الهيثم عن ابن عيّاش: كان أبو العبّاس أسخى الناس، ما وعد عدة قطّ فأخّرها عن وقتها، أو قام من مجلسه حتّى يقضيها. ولقد سمعناه يقول: إنّ المقدرة تصغّر الأمنية. ولقد كنّا نستكثر أمورا أصبحنا نستقلّها لأخسّ من صحبناه ثم نسجد لله شكرا.
وقال المدائني: سمر خالد بن صفوان عند أبي العبّاس، ففخر قوم من بني الحرث بن كعب، وخالد ساكت. فقال له أبو العبّاس: تكلّم يا خالد!
فقال: هؤلاء أخوال أمير المؤمنين.
قال: وأنت من أعمامه، وليس الأعمام بدون الأخوال.
قال: وما أكلّم من قوم إنّما هم على افتخارهم بين ناسج برد، وسائس قرد، ودابغ جلد، دلّ عليهم هدهد وفرّقتهم فأرة!
فجعل أبو العبّاس يضحك.
وقال أبو العبّاس لخالد بن صفوان حين أخذ سليمان بن حبيب: أشعرت أنّ سليمان أخذ من بئر؟
فقال: هذا الذي خرج رقصا ودخل قفصا (١*).
ودخل عليه خالد مرّة فقال: لقد وليت الخلافة
(١*) رقصا: مشكولة بفتحتين، ولم نفهمها.