لقد أصبحت نفسي تتوق إلى مصر ... ومن دونها أرض المهامه والقفر
فو الله ما أدري أللفوز والغنى ... أساق إليها أم أساق إلى قبري
أرى أبدا نفسي تحنّ إلى مصر ... وكم دون مصر من فياف ومن قفر
قال الربيع: فو الله ما كان إلّا بعد قليل حتى سيق إليهما جميعا.
وقال الربيع: سمعت الشافعيّ يقول- وقال المزنيّ-: قدم الشافعيّ بعض قدماته من مكّة، فخرج إخوان له يتلقّونه فإذا هو قد نزل منزلا، وإلى جانبه رجل جالس وفي حجره عود. فلمّا فرغوا من السلام عليه قالوا له: يا أبا عبد الله، ما هذا؟ أنت في مثل هذا المكان؟
فأنشأ يقول [الطويل]
وأنزلني طول النوى دار غربة ... يجاورني من ليس مثلي يشاكله
فحامقته حتى يقال سجيّة ... ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله
وقال حرملة: سمعت الشافعيّ يقول [الكامل]:
ودع الذين إذا أتوك تنسّكوا ... وإذا خلوا فهم ذئاب حقاف (١)
وعن [١٦٨ أ] الربيع أنّه قال: جاء رجل إلى الشافعيّ يسأله عن مسألة فرأى في عقله شيئا، فأنشأ يقول [الطويل]:
جنونك مجنون ولست بواجد ... طبيبا يداوي من جنون جنون
وقال الربيع: سمعت الشافعيّ ينشد [الطويل]:
إذا ما خلوت الدهر يوما فلا تقل ... خلوت ولكن قل: عليّ رقيب
ولا تحسبنّ الله يغفل ساعة ... ولا أنّ ما تخفي عليه يغيب
غفلنا لعمر الله حتى تراكمت ... علينا ذنوب بعدهنّ ذنوب
فيا ليت أنّ الله يغفر ما مضى ... ويأذن في توباتنا فنتوب
وقال المزنيّ: أنشدنا الشافعيّ لنفسه [السريع]:
لا تأس في الدنيا على فائت ... وعندك الإسلام والعافية
إن فات شيء كنت تدعى له ... ففيهما من فائت كافية
وأنشدنا [الخفيف]:
قدر الله وارد ... حيث يرجى وروده
صاحب الحرص حرصه ... ليس ممّا يزيده
فارض فيما يريد إن ... لم يكن ما تريده
(قال): وأنشدنا الشافعيّ أيضا [الكامل]:
الليل سيّ والنهار كلاهما ... نأسى لكثرة ما تدور رحاهما
يتناهبان لحومنا ودماءنا ... نهبا علانية ونحن نراهما
وينسب إليه أيضا [الهزج]:
[و] لا يدفع مطبوع ... إذا لم يك مسموع
(١) الحقف: ما اعوجّ واستطال من الرمال. وفي الديوان ٦٢، والحلية ٩/ ١٥٥: ذئاب خراف.