الدين سنقر الأعسر، وخلع عليهم وعلى سائر أهل الدولة. وكتب بالبشارة إلى سائر الأعمال، وزيّنت القاهرة ومصر زينة عظيمة.
فلمّا كان يوم الأربعاء ثامنه ركب السلطان بخلعة الخلافة، والتقليد بين يديه، وعمره أربع عشرة [سنة]. وأقرّ الوزير فخر الدين عمر بن الخليليّ في الوزارة. وصار الأمراء يجتمعون عند السلطان في يومي الاثنين والخميس ويقرّون أمور الدولة مع الأميرين بيبرس وسلّار، فتصدر سائر الأمور عنهما، وليس للسلطان معهما إلّا مجرّد الاسم، وشرعا في تقديم حواشيهما والزامهما، وقويت شوكة البرجيّة ومقدّمها الأمير بيبرس، وصار لهم حمايات كبيرة، وتردّد الناس إليهم في حوائجهم. وأمّر الأمير بيبرس جماعة منهم. وقام الأمير سلّار بأمر الصالحيّة والمنصوريّة فوقع التحاسد بين الطائفتين، وكانت البرجيّة أكثر عددا وأقوى. وبقي بيبرس إذا أمر واحدا من البرجيّة وقفت طائفة سلّار إليه وطلبوا منه أن يؤمّر منهم واحدا كما أمّر بيبرس. وبينا هم في ذلك إذ توثّب الأمير سيف الدين برلغي وشارك بيبرس وسلّار في التحدّث في أمور الدولة، وانتمت إليه الأشرفيّة فعزّ بهم جانبه. واشتدّ الحجر على الملك الناصر بحيث كان لا يقدر أن يستدعي ما يريده من مأكل ومشرب، وإذا جلس في المركب وقف بيبرس وسلّار وعرضا عليه ما يريدان، وشاورا الأمراء، ويقولان: قد رسم السلطان بكذا، فتمضي الأمور على ما يريدانه، فيخرجان ويجلسان ويصرّفان الأحوال.
وبينا هم في ذلك إذ ورد الخبر بحركة القان الجليل إيلخان معزّ الدين غازان محمود بن أرغون بن أبقا بن هولاكو بن تولي بن جنكز خان وجمعه لأخذ بلاد الشام. فخرج الأمراء بالسلطان في رابع عشرين ذي الحجّة منها، ولم ينفق في العسكر شيء، وجعل نائب الغيبة الأمير ركن الدين بيبرس المنصوريّ، وسار إلى غزّة، وقد كثر تحاسد الأمراء، وأقبلوا في غزّة على الصيد.
فاجتمعت طائفة الأويراتيّة على الأمير قطلوبرس العادليّ واتّفقوا على قتل بيبرس الجاشنكير وإعادة العادل كتبغا. فلمّا وقع الرحيل من غزّة ونزل السلطان والأمراء بتلّ العجول وركبوا للخدمة على العادة، وبيبرس مع سلّار [٨٦ أ] فعند ما ترجّل الأمراء ولم يبق راكبا غير بيبرس وسلّار، شهّر طرنطاي سيفه وكان ماشيا في ركب بيبرس، فضربه ضربة سقطت على كفل الفرس [ف] حلّت ظهره وأتبعها بأخرى قطعت كلفتاه وجرحت وجهه. فأخذت السيوف طرنطاي من كلّ ناحية حتى هلك، ووقعت الصيحة فركب العسكر وانحازت الأويراتيّة إلى الدهليز السلطانيّ يريدون اغتيال السلطان. فظنّ الأمير بكتمر الجوكندار والمماليك السلطانيّة أنّ الأمراء يريدون قتل السلطان ولم يبلغهم خبر بيبرس، فنشروا العصائب السلطانيّة ووقفوا مستعدّين للحرب وقد عاد بيبرس وسلّار ومن معهما إلى خيامهم، وتقدّموا إلى الحجّاب والنقباء بجمع العسكر إلى مخيّم الأمير سلّار النائب، فمضوا بأجمعهم إلى العصائب السلطانيّة ووقفوا تحتها ولم يلتفتوا إلى ردّ الحجّاب لهم، فاشتدّ تخيّل بيبرس وسلّار من السلطان، وبعثا إلى الأمير بكتمر الجوكندار، وهو يومئذ جاندار، يعتبانه ويقولان: ما هذه الفتنة، ونحن على لقاء العدوّ، وقد بلغنا أنّ الأويراتيّة قد اتّفقوا مع مماليك السلطان على قتلنا؟ وكان هذا برأيك وموافقة السلطان، فإن كان الأمر كما بلغنا فنحن مماليك السلطان ومماليك الشهيد ونكون فداء المسلمين. وإن كان الأمر بخلاف ما بلغنا