للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

أحدُهما: ما يرجعُ إلى النَّقلِ المَحضِ. والثاني: ما يرجعُ إلى الرأيِ المَحضِ. وهذه القِسْمَةُ هي بالنِّسبَةِ إلى أصولِ الأدلَّةِ» (١).

وقد امتازَ هذان الأصلان بجُملَةٍ مِنْ الخصائصِ:

أوَّلُها: أنَّهما ممَّا جاءَت به الرُّسلُ، كما قالَ تعالى ﴿لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ﴾ [الحديد: ٢٥]، كما أُنْزِلَ بهما الكتابُ، حيثُ قالَ تعالى ﴿اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ﴾ [الشورى: ١٧] (٢). قالَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨): «إنَّ الرُّسلَ دلَّت الناسَ وأرشدَتهم إلى ما به يعرفون العدلَ، ويعرفون الأقيسَةَ العقليَّةَ الصَّحيحَةَ، التي يُستدَلُّ بها على المطالبِ الدّينيَّةِ، فليست العلومُ النَّبويَّةُ مقصورةً على مجرَّدِ الخبرِ، كما يظنُّ ذلك من يظنُّه مِنْ أهلِ الكلامِ، ويجعلون ما يُعلَمُ بالعقلِ قَسِيماً للعلومِ النبويَّة، بل الرسلُ -صلواتُ الله عليهم- بيَّنَت العلومَ العقليَّةَ التي بها يتمُّ دينُ الناسِ علماً وعملاً .. ، والقرآنُ والحديثُ مملوءٌ مِنْ هذا؛ يبيِّنُ اللهُ الحقائقَ بالمقاييسِ العقليَّةِ، والأمثالِ المضروبةِ، ويبيِّنُ طرقَ التَّسويةِ بين المتماثلَيْن، والفرقَ بين المختلفَيْن، وينكرُ على مَنْ يَخرجُ عن ذلك» (٣).


(١) الموافقات ٣/ ٢٢٧. وينظر: مجموع الفتاوى ١٣/ ١٣٧ - ١٣٨. وقد ذكَرَ الطوفيُّ (ت: ٧١٦) في كتابِه الإكسير في علم التَّفسير ١/ ٤٧ أنَّ هذه القِسْمَةَ ليستْ حاصِرَةً؛ «لأنها لا تشملُ المحسوسات والوجدانيَّات». غيرَ أنَّهُما يرجِعان إلى بعض معاني العقل، كما ذكر الغزاليُّ (ت: ٥٠٥) في إحياء علوم الدين ١/ ٢٠٤، ولا بُدَّ لهُما من العقل كما أشارَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨) في مجموع الفتاوى ١٣/ ٧٥ - ٧٦.
(٢) ينظر: مجموع الفتاوى ٩/ ٢٣٩، وجامعُ المسائل، لابن تيمية، المجموعة ٢، تحقيق: محمد عُزَيْر (ص: ٢٥٣).
(٣) الردُّ على المنطقيين ١/ ٣٨٢. وينظر: مجموع الفتاوى ١٣/ ٢٠٦.

<<  <   >  >>