للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ثانيها: أنَّهما ممَّا أُمِرَ به الخلقُ لإقامَة الحَقِّ، كما قالَ تعالى ﴿لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ﴾ [الحديد: ٢٥].

ثالثُها: وحيثُ جاءَت بهما الرُّسُل، ونزل بهما الكتابُ، وأُمِرَ بهما الخلقُ = فكلاهُما دليلٌ شرعيٌّ؛ النَّقليُّ مِنهما والعقليُّ. ومِن ثَمَّ فالدَّليلُ العقليُّ دليلٌ شرعيٌّ صحيحٌ مأذونٌ فيه، وليسَ بخارجٍ عن الشَّرعِ، ولا يُقابِلُ الدَّليلَ الشَّرعيَّ، وإنّما الذي يُقابلُه الدَّليلُ غيرُ الشرعيِّ، أو الدَّليلُ البدعيِّ. ولذلك لا يَصِحُّ شرعاً ولا عقلاً ولا واقِعاً أن يشهَدَ العقلُ بما يُبطِلُ الشَّرعَ أو يُخالِفُه. قالَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨): «اعلم أنَّ أهلَ الحَقِّ لا يطعنون في جِنسِ الأدلَّة العقليَّة، ولا فيما عَلِمَ العقلُ صِحَّتَه، وإنَّما يطعنون فيما يدَّعي المُعارضُ أنَّه يُخالف الكتابَ والسُّنَّة، وليس في ذلك -ولله الحمدُ- دليلٌ صحيحٌ في نفسِ الأمرِ، ولا دليلٌ مقبولٌ عندَ عامَّةِ العُقلاءِ، ولا دليلٌ لم يُقدَح فيه بالعقلِ» (١)، وقالَ أيضاً: «ولا يجوزُ قَطُّ أنَّ الأدلَّةَ الصَّحيحةَ النَّقليَّةَ تخالفُ الأدلَّةَ الصَّحيحةَ العقليةَ» (٢).

رابعُها: أنَّهُما لا يتعارَضانِ، ولا يتناقَضان؛ لأنَّ الحَقَّ يُصَدِّقُ بعضُهُ بعضاً. قالَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨): «وإذا تبيَّن أنَّ الكتاب والميزان مُنْزَلَان = فلا يجوزُ أن يتنَاقَضَ الكتابُ والميزانُ؛ فلا تَتناقَضُ دلالةُ النُّصوصِ الصَّحيحةِ، والأقيسَةِ الصَّحيحةِ، ولا دلالةُ النصِّ الصَّحيحِ، والقياسِ الصَّحيحِ، وإنما يكون التناقضُ بين الحقِّ الصَّحيحِ، والباطلِ الذي


(١) درء تعارض العقل والنقل ١/ ١٩٤.
(٢) الردُّ على المنطقيين ١/ ٣٧٣. وينظر: مجموع الفتاوى ١٣/ ١٤٧.

<<  <   >  >>