للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بمعنى: لتَفعَلَ بِنَا كذا وكذا. ولو جازَ ذلك لجازَ أن يقولَ القائلُ لآخرَ: أقبلْ إليَّ وكلِّمني. بمعنى: أقبلْ إليَّ لتُكلِّمَني. وذلك غيرُ مَوجودٍ في الكلامِ، ولا معروفٍ جوازُه» (١)، فالوَجهُ اللُّغَويُّ الذي ذهبوا إليه باطِلٌ غيرُ موجودٍ في كلامِ العربِ. ومثلُه أيضاً قولُه عندَ قولِه تعالى ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ٢٩]: «والعَجَبُ ممَّن أَنْكَرَ المعنى المفهومَ مِنْ كلامِ العربِ في تأويلِ قولِ الله ﴿ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ﴾ [البقرة: ٢٩]؛ الذي هو بمعنى: العلوِّ والارتفاعِ. هرباً عندَ نَفسِه مِنْ أن يَلزَمَه بِزَعمِه إذا تأوَّلَه بمعناه المَفهومِ كذلك = أن يكونَ إنَّما علا وارتفَعَ بعدَ أن كانَ تَحْتَها. إلى أن تأوَّلَه بالمجهولِ مِنْ تأويلِه المُسْتَنكَر، ثمَّ لم ينجُ ممّا هرَبَ مِنه، فيُقَالُ له: أزَعَمتَ أنَّ تأويلَ قولِه ﴿اسْتَوَى﴾ [البقرة: ٢٩]: أَقْبَلَ. أَفَكَانَ مُدبِراً عن السماءِ فأقْبَلَ إليها؟ فإن زَعَمَ أنَّ ذلك ليسَ بإقبالِ فِعْلٍ، ولكنَّه إقبالُ تدبيرٍ. قيل له: فكذلك فقُلْ: علا عليها عُلُوَّ مُلْكٍ وسُلطانٍ، لا عُلُوَّ انتقالٍ وزوالٍ. ثمَّ لن يقولَ في شيءٍ مِنْ ذلك قولاً إلا أُلْزِمَ في الآخَرِ مِثلَه» (٢)، فَمَنْ ذَهَبَ إلى ذلك المعنى اعتَمَدَ أصلاً عقليّاً ثابتاً عندَه، وجَعَلَهُ دليلاً على بُطلانِ ما سواهُ مِنْ الأقوالِ. مع بُطلانِ ذلك الأصلِ شرعاً وعقلاً.

ويتبعُ هذا الوَصفَ (صِحَّةُ الدَّليلِ في نَفسِه) وصفانِ مُطَّرِدان في عامَّةِ الأدلَّةِ، هما:

١ - أن يجيءَ مِنْ وجهٍ ثابتٍ، وذلك فيما طريقُه النَّقلُ مِنْ الأدلَّةِ؛


(١) جامع البيان ٦/ ٣١٨.
(٢) جامع البيان ١/ ٤٥٧. وينظر: ١/ ١٦١، ١٩٧.

<<  <   >  >>