للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

ذلك إلا أحدَ القَولَين اللذَيْن وَصَفتُ، ثُمَّ كانَ أحدُهما غيرَ موجودَةٍ على صِحَّتِه الدَّلالَةُ مِنْ الوَجهِ الذي يَجبُ التَّسليمُ لَه = صَحَّ الوجهُ الآخرُ» (١)؛ فما كُلُّ بُرهانٍ مَقبولٌ، حتى يكونَ مَجيئُهُ على الوَجهِ الذي يَجِبُ قبولُه به؛ وذلك بما ذُكرَ مِنْ الشُّروطِ.

كما أعرَضَ في تفسيرِه عن كُلِّ قولٍ قامَ على غيرِ دليلٍ مُعتبَرٍ، أو صَحَّ دليلُه لكنْ وَقَعَ الاستدلالُ به على غيرِ الوجهِ المقبولِ، ومِن ذلك ما رَدَّه وأبطَلَه مِنْ أقوالِ أهلِ الأهواءِ والبدعِ؛ التي يُسارِعُ أصحابُها في الاستدلالِ لها ولو بالباطِلِ مِنْ الأدلَّةِ، وشُبَهٍ مِنْ الدِّلالاتِ (٢). ومِن أمثِلَةِ ذلك قولُ بعضِ (أهلِ البَحثِ) (٣): إنَّ قولَه تعالى ﴿رَبَّنَا وَآتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلَا تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لَا تُخْلِفُ الْمِيعَادَ﴾ [آل عمران: ١٩٤] «خرجَ مخرَجَ المسألَةِ، ومعناهُ الخبَرُ، قالوا: وإنَّما تأويلُ الكلامِ: ربَّنا إنَّنا سمعنا مُنادياً ينادي للإيمانِ أن آمنوا برَبِّكُم فآمنَّا، ربَّنا فاغفِرْ لنا ذنوبَنا، وكَفِّر عنَّا سيِّئاتِنا، وتوَفَّنا مع الأبرار؛ لتؤتِيَنا ما وَعَدتَّنا على رُسُلِك، ولا تُخزِنا يومَ القيامة» (٤)، قالَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) بعد ذِكرِ ترجيحِه في الآيةِ: «وليسَ ذلك ممَّا ذَهَبَ إليه الذين حكيتُ قولَهم في شيءٍ؛ وذلك أنَّه غيرُ موجودٍ في كلامِ العربِ أن يُقَال: افعلْ بِنَا يا رَبِّ كذا وكذا.


(١) جامع البيان ١/ ٥٣٣. وينظر: ١/ ١٩، ٣/ ٣٤١، ٥/ ١١١، ١٢/ ٩٣، ١٣/ ٦٨، ٧٣٩، ١٩/ ٩١.
(٢) قالَ الشَّاطبيُّ (ت: ٧٩٠): «وشأْنُ مُتَّبعِي المُتشابِهاتِ أخذُ دليلٍ مَا -أيَّ دليلٍ كانَ- عفواً وأخذاً أوَّليّاً، وإن كان ثَمَّ ما يُعارِضُه من كُلِّيٍّ أو جُزئيٍّ». الاعتصام (ص: ١٨٦).
(٣) مُرادُ ابنِ جرير (ت: ٣١٠) بهم: أهلُ الكلامِ في العقائِد. ينظر: ٤/ ٥٢٨، ٥٤٤.
(٤) جامع البيان ٦/ ٣١٧.

<<  <   >  >>