للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لقبولِه دليلاً على المعنى، ما لَمْ يكُن مُطابِقاً لموضِعِ الاستدلالِ (١)، وقد أشارَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) إلى ذلك في مواضِعَ كثيرَةٍ مِنْ تفسيرِه؛ مِنها قولُه: «مع أنَّ المُتدَبِّر إذا تدبَّرَ قولَ هذا القائِلِ في تأويلِه .. ، وما أشبهَ ذلك مِنْ حُجَجِه = عَلِمَ أنَّ حُجَجَه مُفسِدَةٌ في ذلك مقالَتَه، وأنَّ مقالَتَه فيه مُضادَّةٌ حُجَجَه» (٢)، وقولُه: «وأمَّا ما قالَه ابنُ زيدٍ، فإنَّه قولٌ لو كانَ في الكلامِ دَليلٌ على أنَّه استفهامٌ = حسنٌ؛ ولكنَّه لا دلالَةَ فيه على أنَّ ذلك كذلك. والعربُ لا تحذِفُ مِنْ الكلامِ شيئاً إليه حاجَةٌ إلا وقد أبقَتْ دليلاً على أنَّه مُرَادٌ في الكلامِ، فإذا لم يكُن في قوله ﴿فَظَنَّ أَنْ لَنْ نَقْدِرَ عَلَيْهِ﴾ [الأنبياء: ٨٧] دلالَةٌ على أنَّ المرادَ به الاستفهامُ -كما قالَ ابنُ زيدٍ-، كانَ معلوماً أنَّه ليسَ به» (٣)، وقولُه عند قولِه تعالى ﴿مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٩٨]، مُبَيِّناً سببَ تكريرِ إظهارِ اسمِ الله تعالى في آخر الآيةِ عند بعضِ أهلِ اللغةِ: «وقد كانَ بعضُ أهلِ العربيَّةِ يوَجِّهُ ذلك إلى نَحوِ قولِ الشَّاعر (٤):

ليت الغُرابَ غداةَ يَنعَبُ دائِباً … كانَ الغُرابُ مُقَطَّعَ الأَوْداجِ

وأنَّه إظهارُ الاسمِ الذي حَظُّهُ الكنايَةُ عنه. والأمرُ في ذلك بخلافِ ما قالَ؛ وذلك أنَّ الغرابَ الثانيَ لو كانَ مَكْنيّاً عنه لما التَبَسَ على أحَدٍ


(١) قالَ السيوطيُّ (ت: ٩١١): «قالَ العُلماءُ: يجبُ على المُفَسِّرِ أن يتحرَّى في التَّفسيرِ مُطابَقَةَ المُفَسَّرِ، وأن يتحرَّزَ في ذلك من نقصٍ عمَّا يُحتاجُ إليه في إيضاحِ المعنى، أو زيادةٍ لا تليقُ بالغَرَضِ». الإتقان ٦/ ٢٣١٦، وكأنَّها منقولةٌ عن منهاج البلغاء ٢/ ٥٨.
(٢) جامع البيان ١/ ٥١.
(٣) جامع البيان ١٦/ ٣٨١.
(٤) هو جريرُ بن عطيَّة، والبيتُ في ديوانِه ١/ ١٣٦.

<<  <   >  >>