للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

يَعقِلُ كلامَ العربِ أنَّه كِنايَةُ اسمِ الغُرابِ الأوَّلِ، إذ كانَ لا شيءَ قبلَه يحتَمِلُ الكلامُ أن يُوَجَّهَ إليه غَيرُ كِنايَةِ اسمِ الغُرابِ الأوَّلِ، وأنَّ قبلَ قولِه ﴿فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ﴾ [البقرة: ٩٨] أسماءً، لو جاءَ اسمُ الله تعالى ذِكرُه مَكْنيّاً عنه، لم يُعلَمْ مَنْ المَقصودُ إليه بكِنايَةِ الاسمِ إلا بتوقيفٍ مِنْ حُجَّةٍ، فلذلك اختلفَ أمراهُما» (١).

ومِن دَقَّتِه في هذا البابِ أنَّه يُحَدِّدُ معنى اللفظِ الذي له أكثَر مِنْ وجهٍ في الموضِعِ الواحِدِ، ويستدلُّ له في ذلك المعنى تحديداً، فيقولُ: «والدِّينُ في هذا الموضِعِ بتأويلِ الحِسابِ والمُجازاةِ بالأعمال» (٢)، ثُمَّ ذَكَرَ دليلَ ذلك مِنْ أشعارِ العَرَبِ، ونظائِرِه في كتابِ الله، ثُمَّ قالَ: «وللدِّينِ معانٍ في كلامِ العَرَبِ غيرُ معنى الحِسابِ والجَزَاءِ، سنذْكُرُها في أماكِنِها إن شاءَ اللهُ» (٣)، وقالَ أيضاً: «ومعنى قولِه ﴿اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ﴾ [الفاتحة: ٦] في هذا المَوضِعِ عِندَنا: وَفِّقْنا للثَباتِ عليه. كما رُوِيَ ذلك عن ابنِ عباسٍ» (٤)، ثُمَّ استوفى الاستدلالَ لذلك المعنى بنظائِرِ القرآنِ، والمشهورِ مِنْ كلامِ العربِ، وأشعارِها، وأجابَ عن المعاني الأخرى التي لا يحتَمِلُها هذا الموضِعُ مِنْ الكلامِ؛ وإن صَحَّتْ في غيره.

ومِن دَقَّتِه أيضاً تمييزُ ما دلَّت عليه الآيةُ مِنْ المعاني، عمَّا دَلَّ عليه


(١) جامع البيان ٢/ ٣٠٣. وينظر: ٣/ ٣٣٥، ٤/ ١٩٩، ٧/ ٤٤٣، ٨/ ٢٠٩، ٤٤٥، ١٣/ ٥٩٥، ٢٠/ ٦٣٦.
(٢) جامع البيان ١/ ١٥٧.
(٣) جامع البيان ١/ ١٥٨.
(٤) جامع البيان ١/ ١٦٥. وينظر: ١/ ٢٣٤، ٢/ ٣٦١، ٨/ ٩٢.

<<  <   >  >>