للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثّالثُ: سلامتُه مِنْ المُعارِضِ الرَّاجِحِ؛ سواءٌ كانَ نقليّاً أو عقليّاً. فإذا تعارَضَ دليلانِ ثابتانِ في المعنى الواحِدِ على وجهٍ لا يُمكِنُ به الجمعُ بينهُما = تَعيَّنَ التَّرجيحُ، وصارَ الرَّاجِحُ مِنهُما محلَّ الاعتِبارِ والاعتِمادِ (١). وذلك أنَّ الأدلَّةَ الثَّابتَةَ لا تتعارَضُ حقيقةً ولا تتناقضُ، بل كُلُّها يدُلُّ على الحَقِّ، ويشهَدُ بالصَّوابِ، ومِن ثَمَّ كانَ الجَمعُ بين الأدِلَّةِ المُتعارِضَةِ أوَّلَ المسالِكِ وأَوْلاها، فإذا تَعَذَّرَ الجَمعُ دَلَّ على وُجودِ وصفٍ -مِنْ جِهَةِ الثُّبوتِ أو الدِّلالَةِ- يمنعُ مِنْ الاستدلالِ بأحدِهما، ويوجِبُ ترجيحَ أحَدِهما على الآخَرِ واعتِبارِه. (٢)

وقد قَرَّرَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) تلكَ المسائِلَ في تفسيرِه نَصَّاً ومنهجاً، وبَيَّنَ «أنَّه غيرُ جائِزٍ أن يكونَ في أخبارِ اللهِ أو أخبارِ رسولِه شيءٌ يدفَعُ بعضُهُ بعضاً» (٣)، وقالَ: «وخَبَرُ الله ﷿ أصدَقُ مِنْ أن يَقَعَ فيه تناقُضٌ» (٤).

وأجرى تفسيرَه على اعتِمادِ ما صَحَّ مِنْ الأدلَّةِ، وسَلِمَ مِنْ المُعارِضِ؛ كما في قولِه: «فقد تَبيَّن إذن بما قُلنا صِحَّةُ معنى الخبرَيْن .. ، وأنْ ليسَ أحدُهما دافعاً صِحَّةَ معنى الآخرِ كما ظَنَّهُ بعضُ الجُهَّالِ. وغيرُ جائِزٍ في أخبارِ رسولِ الله أن يكونَ بعضُها دافعاً بعضاً


(١) سيأتي بيانُ ذلك على التَّفصيلِ في الفصلِ الثالث، من البابِ الثالث بإذن الله.
(٢) قالَ الشَّاطبيُّ (ت: ٧٩٠): «إذا تعارَضَتِ الأدلَّةُ، ولم يظهَرْ في بعضِها نسخٌ، فالواجِبُ التَّرجيحُ، وهو إجماعٌ من الأصوليِّينَ، أو كالإجماعِ». الاعتصام (ص: ١٦٦).
(٣) جامع البيان ٧/ ٣٦.
(٤) جامع البيان ٨/ ٧٢١. وينظر: ٨/ ٢١٠، ٩/ ٤٦٦ - ٤٦٨.

<<  <   >  >>