للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

كانوا أخذوا أدنى بقرَةٍ فذبحوها أجزَأَتْ عنهم، ولكنَّهم شَدَّدوا فشَدَّدَ اللهُ عليهم = مِنْ أوضَحِ الدَّلالَةِ على أنَّ القومَ كانوا يرون أنَّ حُكمَ الله فيما أمرَ ونهى في كتابِه، وعلى لِسانِ رسولِه على العُمومِ الظاهرِ دون الخصوصِ الباطنِ، إلا أن يَخُصَّ بعضَ ما عَمَّهُ التَّنزيلِ كتابٌ مِنْ الله، أو رسولُ الله» (١)، ثُمَّ قالَ: «ففي إجماعِ جميعِهم على ما روينا عنهم مِنْ ذلك -مع الروايةِ التي رويناها عن رسولِ الله بالموافَقَةِ لقولِهم- دليلٌ واضِحٌ على صِحَّةِ قولِنا في العُمومِ والخُصوصِ، وأنَّ أحكامَ اللهِ جلَّ ثناؤه في آيِ كتابِه -فيما أمرَ ونهى- على العُمومِ، ما لم يَخُصَّ ذلك ما يجبُ التَّسليمُ له، وأنَّه إذا خُصَّ مِنه شيءٌ فالمخصوصُ مِنه خارِجٌ حُكمُه مِنْ حُكمِ الآيَةِ العامِّ الظّاهرِ، وسائِرُ حُكمِ الآيةِ على ظاهرِها العامِّ، ومُؤَيِّدٌ حقيقَةَ ما قُلنا في ذلك، وشاهِدُ عدلٍ على فسادِ قولِ من خالَفَ قَولَنا فيه» (٢).

وقد بَيَّنَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) أنَّ الدَّليلَ الذي يُخَصُ به عمومُ اللفظِ هو ظاهرُ التَّنزيلِ، والخبرُ عن رسولِ الله ، والإجماعُ، ودلالَةُ العقلِ؛ ومِنها القياسُ. فيشملُ ذلك دليلَ النَّقلِ والعَقلِ كما في الظّاهِرِ، ومِن ذلك قولُه: «وإذْ كانَ ذلك كذلك، ولم يكن في الآيةِ دلالَةٌ على أنَّها عُنِيَ بها خصوصٌ دونَ عمومٍ، ولا في خَبَرٍ عن الرسولِ، ولا في فِطرَةِ عقلٍ = فالعُمومُ بها أولى؛ لِما قد بَيَّنَّا في غيرِ مَوضِعٍ مِنْ كُتُبِنا» (٣)، وقالَ في الإجماعِ: «فغيرُ جائِزٍ إخراجُ شيءٍ مِنْ عُمومِ هذا


(١) جامع البيان ٢/ ١٠١ - ١٠٢.
(٢) المرجعُ السابق.
(٣) جامع البيان ١٢/ ١٧.

<<  <   >  >>