للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

المَعنيانِ اللذانِ لا يجوزُ اجتِماعُ حُكمِهِما على صِحَّةٍ في حالٍ واحِدَةٍ؛ لنَفيِ أحدِهِما صاحِبَه» (١)، وقالَ: «والأخبارُ لا يكونُ فيها نسخٌ، وإنَّما النَّسخُ في الأمرِ والنَّهي» (٢). ويُقابلُ النَّسخَ: الإحكامُ. (٣)

والقاعِدَةُ في هذا البابِ: أنَّ الأصلَ في النُّصوصِ الإحكامُ، ولا يُصارُ إلى النَّسخِ إلا بدليلٍ ثابِتٍ مِنْ الكِتابِ أو السُّنَّةِ (٤). قالَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠): «النَّاسِخُ الذي لا شكَّ فيه مِنْ الأمرِ هو: ما كانَ نافياً كُلَّ معاني خِلافِه الذي كانَ قبلَه، فأمَّا ما كانَ غيرَ نافٍ جَميعَه فلا سبيلَ إلى العِلمِ بأنَّه ناسِخٌ إلا بخبرٍ مِنْ الله جلَّ وعزَّ، أو مِنْ رسولِه ) (٥)، وقالَ مُعلِّلاً للمنعِ مِنْ النَّسخِ في بعضِ الأقوالِ: «إذْ كانَ لا دَلالَةَ على أنَّه منسوخٌ بها مِنْ كتابٍ، أو سُنَّةٍ ثابتَةٍ» (٦).

ويلاحَظُ في النُّقولِ السَّابقةِ أنَّ النَّاسِخَ لا يكونُ إلا نَصَّاً شرعيَّاً؛ مِنْ القرآنِ أو السُّنَّةِ، ومَن ذَكرَ الإجماعَ فالناسِخُ فيه: مُستَنَدُهُ مِنْ النُّصوصِ؛ لأنَّ النَّسخَ تشريعٌ، وذلك لا يكونُ إلا بوَحي، كما قالَ تعالى ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِمْ آيَاتُنَا بَيِّنَاتٍ قَالَ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا ائْتِ بِقُرْآنٍ غَيْرِ هَذَا أَوْ بَدِّلْهُ قُلْ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أُبَدِّلَهُ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِي إِنْ أَتَّبِعُ إِلَّا مَا يُوحَى إِلَيَّ إِنِّي أَخَافُ إِنْ عَصَيْتُ


(١) جامع البيان ٣/ ١٢٤. وينظر: ٢/ ٤٥٨، ٤/ ١٦٣، ٥/ ٧٩، ١٤٤، ٦/ ٥٤٧.
(٢) جامع البيان ٢٤/ ٢٧.
(٣) ينظر: جامع البيان ٣/ ١٢٤، ٥/ ١٤٣، ٦/ ٤٣١، ٤٣٨.
(٤) قالَ ابنُ تيمية (ت: ٧٢٨): «لا يُنسَخُ ما أنزلَ الله إلا بما أنزلَهُ اللهُ، فمن أرادَ أن ينسَخَ شرعَ الله الذي أنزلَهُ برأيِهِ وهواهُ كان مُلحِداً». درء تعارض العقل والنقل ٥/ ٢٠٨. وينظر: مذكرة أصول الفقه (ص: ١٠٢).
(٥) جامع البيان ٨/ ٢٥٦.
(٦) جامع البيان ٦/ ٤٣٩. وينظر: ٢/ ٤٥٨، ٣/ ٢٩١، ٦/ ٤٣٨، ٦٨٥، ٨/ ٥٢، ٢١/ ١٨٧.

<<  <   >  >>