للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفيما بعدَ ذلك الأصلَ الكُلِّيَّ في الانحرافِ، يذكُرُ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) وجوهاً مِنْ معالِمَ تلك المناهِجِ المُبتَدَعَة، وهي:

١ - حملُ القرآنِ على الآراءِ، وهو مِنْ أهمِّ أسبابِ الانحرافِ في تأويلِه، وقد سَبَقَ تفصيلُ ذلك (١)، ويُضافُ هُنا قولُ ابن جريرٍ (ت: ٣١٠): «غيرُ جائِزٍ لأحدٍ مِنْ أهلِ الإسلامِ الاعتراضُ بالرَّأيِ على ما نَقَلَهُ المسلمون وِراثَةً عن نبيِّهِم نقلاً ظاهِراً، قاطِعاً للعُذرِ؛ لأنَّ ما جاءَت به الحُجَّةُ مِنْ الدِّينِ هو الحَقُّ الذي لا شَكَّ فيه أنَّه مِنْ عِنْدِ الله، ولا يُعتَرَضُ على ما قد ثَبَتَ وقامَتْ به حُجَّةٌ أنَّه مِنْ عِنْدِ الله بالآراءِ، والظُّنونِ، والأقوالِ الشَّاذَّةِ» (٢)، وقالَ أيضاً: «وقد زَعَمَ بعضُ أهلِ العِلمِ بلُغاتِ العَربِ مِنْ أهلِ البَصرَةِ (٣)، أنَّ معنى قولِه ﴿مُصَدِّقًا بِكَلِمَةٍ مِنَ اللَّهِ﴾ [آل عمران: ٣٩]: بكتابٍ مِنْ اللهِ. مِنْ قولِ العَربِ: أنشَدَني فُلانٌ كَلِمَةَ كذا. يُرادُ به: قصيدَةَ كذا. جَهلاً مِنه بتأويلِ الكلِمةِ، واجتراءً على ترجَمَةِ القُرآنِ برأيِه» (٤).

ومِنْ هذا البابِ: التأويلُ بالرَّأيِ على غيرِ أصلٍ معتَمَدٍ، كما في تعليلِه لفسادِ بعضِ الأقوالِ: «ولكنَّ القولَ إذا كانَ على غيرِ أصلٍ مُعتَمَدٍ كانَ واضحاً عَوَارُه» (٥).


(١) ينظر: ما سبق (ص: ٥٦).
(٢) جامع البيان ٣/ ١٨٠.
(٣) يعني أبا عبيدَةَ معمر بن المُثنّى التَّميميّ مولاهم البصريّ، مِنْ أئمَّة اللغةِ، بارعٌ في الغريبِ وأيّام العربِ، صنّف: مجازَ القرآن، وغيرَه، وتوفي سنة (٢١٠). ينظر: أخبار النّحويين البصريّين (ص: ٨٠)، والسِّيَر ٩/ ٤٤٥. والنَّقلُ عنه في كتابِه مجاز القرآن ١/ ٩١.
(٤) جامع البيان ٥/ ٣٧٤.
(٥) جامع البيان ١/ ١٣٢.

<<  <   >  >>