للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

٢ - الإعراضُ عن أقوالِ السَّلفِ، وهذا نتيجةٌ لِمَا قَبلَه، وصِفَةٌ لازِمَةٌ لِكُلِّ انحِرافٍ في الاستدلالِ، قالَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠): «وكانَ بعضُ مَنْ لا عِلمَ له بأقوالِ السَّلفِ مِنْ أهلِ التَّأويلِ، ممَّن يُفَسِّرُ القرآن برأيِهِ على مَذهَبِ كلامِ العربِ، يوَجِّهُ معنى قولِه ﴿وَفِيهِ يَعْصِرُونَ﴾ [يوسف: ٤٩] إلى: وفيه يَنجُونَ مِنْ الجَدبِ والقَحطِ بالغَيثِ. ويزعُمُ أنَّه مِنْ العَصَرِ .. ، وذلك تأويلٌ يكفي مِنْ الشَّهادَةِ على خَطَئِه خلافُه قولَ جميعِ أهلِ العِلمِ مِنْ الصَّحابَةِ والتَّابعين» (١)، وقالَ بعدَ ذكرِ أقوالِ السَّلفِ في معنى هَمِّ يوسُفَ في قولِه تعالى ﴿وَلَقَدْ هَمَّتْ بِهِ وَهَمَّ بِهَا﴾ [يوسف: ٢٤]: «وأمَّا آخرون ممَّن خالَفَ أقوالَ السَّلَفِ، وتأوَّلوا القرآنَ بآرائِهِم، فإنَّهُم قالوا في ذلك أقوالاً مُختلِفةً» (٢)، ثُمَّ أورَدها وحَكمَ بفسادِها بالأدلَّةِ. (٣)

٣ - أصلُ استدلالاتِهِم تمويهاتٌ وتلبيساتٌ لا يُخيلُ على ذي عقلٍ بُطلانُها، وذلك مِنْ شأنِهِم الذي أخبرَ اللهُ تعالى عنه بقولِه ﴿فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِيلِهِ﴾ [آل عمران: ٧]، فهُم مِنْ أبعدِ النَّاسِ عن المُحكَمِ مِنْ الدِّلالاتِ، وأكثرِهُم شُغلاً بالمُتشابِهِ مِنْ التَّأويلاتِ، قالَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠): «ولأهلِ هذه المَقالَةِ مسائِلُ فيها تلبيسٌ، كرِهنا ذِكرَها وإطالَةَ الكِتابِ بها وبالجوابِ عنها؛ إذْ لم يكُن قصدُنا في كتابِنا هذا قصدَ الكَشفِ عن تمويهاتِهم، بل قصدُنا فيه البيانُ


(١) جامع البيان ١٣/ ١٩٧.
(٢) جامع البيان ١٣/ ٨٦.
(٣) سيأتي في مبحثِ (الاستدلال بأقوالِ السَّلفِ) مزيدُ بيانٍ لوجوبِ اعتبارِ أقوالِ السَّلفِ وعدمِ الخروجِ عنها.

<<  <   >  >>