للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الأخبارِ إلا ما استفاضَ به النَّقلُ مِنْ العوامِّ، أنَّ معنى قولِه ﴿بَلْ فَعَلَهُ كَبِيرُهُمْ هَذَا﴾ [الأنبياء: ٦٣] إنَّما هو: بل فَعَلَه كبيرُهُم هذا إن كانوا ينطقون، فاسألوهم. أي: إن كانَت الآلِهَةُ المَكسورَةُ تَنطِقُ؛ فإنَّ كبيرَهُم هو الذي كَسَرَهُم. وهذا قولٌ خِلافُ ما تظاهَرَت به الأخبارُ عن رسولِ الله ) (١).

٥ - العَجَلَةُ وعدمُ التَّدَبُّرِ، وهذا مِنْ أثرِ الاعتدادِ بالرَّأيِ دون تَحقُّقٍ، قالَ ابنُ جريرٍ (ت: ٣١٠) في قَولِه تعالى ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ وُقِفُوا عَلَى النَّارِ فَقَالُوا يَالَيْتَنَا نُرَدُّ وَلَا نُكَذِّبَ بِآيَاتِ رَبِّنَا﴾ [الأنعام: ٢٧]: «وكأنَّ مَعْنيَّ صاحِبِ هذه المَقالَةِ في قولِه هذا: ولو ترى إذ وُقِفوا على النَّارِ فقالوا: قد وُقِفنا عليها مُكَذِّبينَ بآياتِ رَبِّنا كُفَّاراً، فيا ليتنا نُرَدُّ إليها فنوقَفَ عليها غيرَ مُكَذِّبينَ بآياتِ رَبِّنا ولا كُفّاراً. وهذا تأويلٌ يدفَعُه ظاهِرُ التَّنزيلِ؛ وذلك قولُه تعالى ﴿وَلَوْ رُدُّوا لَعَادُوا لِمَا نُهُوا عَنْهُ وَإِنَّهُمْ لَكَاذِبُونَ﴾ [الأنعام: ٢٨]، فأخبَرَ اللهُ تعالى ذِكرُه أنَّهم في قِيلِهم ذلك كَذّبَةٌ، والتَّكذيبُ لا يقعُ في التَّمنِّي، ولكنَّ صاحِبَ هذه المَقالَةِ أظُنُّ به أنَّه لم يتدبَّرِ التَّأويلِ، ولَزِمَ سَنَنَ العَرَبيَّةِ» (٢)، وقالَ: «وهذا قولٌ إذا تدبَّرَه مُتَدبِّرٌ عَلِمَ أنَّ بعضَه مُفسِدٌ بعضاً» (٣)، وقالَ: «وقد ظَنَّ بعضُ مَنْ لم يُنعِمِ النَّظرَ أنَّ إعادَةَ ﴿إِيَّاكَ﴾ [الفاتحة: ٥] مع ﴿نَسْتَعِينُ﴾ [الفاتحة: ٥] بعدَ تقدُّمِها في قولِه ﴿إِيَّاكَ نَعْبُدُ﴾ [الفاتحة: ٥] بمعنى قَولِ عَدِيِّ بن زَيدٍ العِبادِيِّ (٤):


(١) جامع البيان ١٦/ ٣٠٠.
(٢) جامع البيان ٩/ ٢١٠.
(٣) جامع البيان ١/ ٥٢٥.
(٤) عديُّ بن زيد بن حمارِ بن أيوب، من بني تميم، جاهليّ، كانَ نصرانيّاً من عبّاد الحِيرَة فلقّبَ بالعِباديِّ، أحدُ فحولِ الشعراء. ينظر: الشعر والشعراء (ص: ٤٠)، والأغاني ٢/ ٦٣، والبيت في ديوانه (ص: ١٥٩).

<<  <   >  >>